يوميات راكب باص
قبل أن ينعم علي الله باقتناء سيارتي (الدايهاتسو) كنت ممن (يتشعبطون) يوميا في الباصات التي تنطلق في السادسة صباحا لتصل إلى نقطة الوصول بعد اربعون دقيقة إذا لم يحصل طارئ مثل (بنشر) او اتفاق بين السائق وسائق آخر على الجولات الصباحية.
تبدأ الرحلة (بالموشح) اليومي (للكنترول) الذي يرتدي بنطلون جينز وبلوزه وجاكيت عليه صورة (لجيفارا) وشعر (منكوش) تعلو أطرافه مسحات من زيت الزيتون او زيت الذرة أحيانا (فالجل) غالي الثمن مقارنة بما يحصل عليه من اجرة, فقبل صباح الخير يبدأ بالعبارة اليومية يااخوان جهزوا ألاجار ويكون (فراطه) لأنه (لسه مااستفتحنا) وبعدها تبدأ الأحاديث بين الركاب فالكل يحاول أن يصرف دينار من شريكه في المقعد ليعطي الأجرة للكنترول.
على أنغام اغنية محمد عبده (الأماكن) او خالد عبدالرحمن (الذاهبه) التي يعلو صوتها فوق أصوات الركاب وبموسيقى مزعجة جدا تجد السائق يتناول كوب شاي لايخلو من (عرق نعنع) وعينه على المرآة ألداخليه التي سلطها على الكرسي الذي يقع خلفه مباشرة فهذا الكرسي (محجوز) يوميا لصاحبة النصيب التي تجلس خلفه فعندما ينظر إليها يبدأ بترديد كلمات الاغنية الصاخبة ويلقي بثقل قدمه على (دعسة الديزل) فتشعر أن الباص من شدة السرعة قد تحول إلى طائرة نفاثة توشك على الإقلاع فإذا قاطعه احد الركاب هذه اللحظة الرومانسية وطلب منه أن يقلل من السرعة ينطلق الكنترول فورا بالإجابة نيابة عنه (مابصير غير اللي ربنا كاتبه) ولا يوقف هذه السرعة سوى (بريك) شبه مفاجئ ينغص نوم احد الركاب في الكرسي الخلفي وذلك لتحميل عدد من طالبات الجامعة وقفن في الطريق فيدخلن إلى الباص حمولة زائدة (يدبرها) الكنترول بمعرفته حيث يطلب من الشباب الوقوف لتجلس الفتيات وبدون اجرة على مقاعدهم.
أما المشهد الآخر فهو الركاب داخل الباص, حيث يبدأ الحديث عن حالة الجو وبرودة الطقس وزيادة الرواتب المبهمة التي أعلنت عنها الحكومة في نشرة الأخبار وكذلك الزيادة على أسعار المحروقات التي سيلحقها زيادة على اجرة الباصات, ويقطع الحديث موظف نسميه دائما (المثقف) لأنه في كل هذه الأجواء يقرأ جريدة ينزعج من تقليب صفحاتها شريكه في المقعد ليقول (مافيه زياده ولا اشي) كل مافي الأمر أن الحكومة لا زالت تدرس هذا الموضوع, والوضع الآن لايحتمل أية زيادة في الرواتب فأنا دوامي في مديرية الزراعة ومطلع على هذا الموضوع ليصاب الجميع بخيبة أمل ويتابع هو حديثه الذي أصبح ثقيلا علينا ليقرأ لنا عن استيلاء ثوار ليبيا على مدينة مصراته ودخول الجيش السوري إلى درعا بعدها يعلن (كابتن) الطائرة ومرافقه (الكنترول) وصولنا إلى أجواء منطقة (الإنزال).
هذه المشاهد تتكرر يوميا باختلاف رحلة مابعد نهاية الدوام حيث يتم تبديل (شريط) اغنية محمد عبده (الأماكن) بدبكات شعبية على (المجوز) وتخف وطأة الشتائم الغير أخلاقية التي يطلقها السائق بين الحين ولآخر على من يعترض طريقه من السيارات الصغيرة متناسيا أن من بين ركابه نساء وشيوخ كبار بالسن.
لاتستطيع الحكومة أن توفر شرطي في كل وسيلة مواصلات لضبط هذه التصرفات التي بفضلها نحتل دائما المركز الأول بين الدول في عدد وفيات حوادث السير ولكنها تستطيع أن تشدد إجراءات منح الرخص لسائقي سيارات النقل العمومي وإشراكهم بدورات عن طريق الجمعية الأردنية للوقاية من حوادث الطرق تتضمن كيفية التعامل مع الطريق والسلوك داخل المركبة وكذلك تفعيل النقاط في المخالفات لتصل إلى حد الحرمان من القيادة مدة تحددها إدارة السير في مديرية الأمن العام حسب درجة المخالفة والا سوف نكمل كل البومات خالد عبدالرحمن ودبكات المجوز ونحن على هذا الحال.
هلال العجارمه
helalajrami@yahoo.com