شبهات ومخالفات قانونية تُهدد غابات "برقش"
د. عبدالناصر هياجنه
أستاذ القانون البيئي المشارك/ الجامعة الأردنية
====
كتبتُ مؤخراً عن الشبهات القانونية التي ينطوي عليها مشروع إقامة كلية عسكرية في غابات "برقش". ونظراً لأهمية الموضوع، فإنني أعود مجدداً لأوضح بعض المسائل القانونية التي أرى أنه من الضروري التوقف عندها ومعالجتها حمايةً للبيئة والغابات في عموم الأردن و"برقش" بشكلٍ خاص من أن يطالها داء الضياع أو التدهور.
أولاً: إن قانون الزراعة الأردني النافذ لا يُجيز تفويض الأراضي الحرجية إلى أي شخص أو جهة أو تخصيصها أو بيعها أو مبادلتها. ويستثنى من ذلك الاراضي الحرجية التي يقرر مجلس الوزراء بناء على تنسيب الوزير المستند الى توصية الوزير المختص او الجهة المعنية ، حسب مقتضى الحال ، السماح لشركات استثمارية مسجلة حسب الاصول أو لأي جهة اخرى باقامة مشاريع استثمارية في المحافظات التي تحتاج إلى تنمية اقتصادية أو اجتماعية على الاراضي الحرجية فيها شريطة المحافظة على البيئة والاشجار في المناطق المزروعة أو نقلها الى مكان اخر. ولغايات تحديد طبيعة ومدى الاستثناء يُعرّف القانون المشروع الاستثماري بأنه المشروع السياحي المنتج الذي يتفق مع طبيعة الاراضي الحرجية.
وللقول بعدم وجود مخالفة قانونية يجب تحديد معنى "المشروع السياحي المنتج" الذي يتفق مع طبيعة الاراضي الحرجية، وفيما إذا كان إنشاء كلية عسكرية "مشروعاً سياحياً منتجاً" يتفق مع طبيعة الاراضي الحرجية بالمعنى المقصود في قانون الزراعة؟
وفي هذا الصدد أرى أن مشروع الكلية "العسكرية" المزمع إقامتها لا يحقق وصف المشروع السياحي فالسياحة ليست من غاياتها،
أما أنه يتفق مع الطبيعة الحرجية للمتطقة، فأرى أن إقامة أكاديمية عسكرية في منطقة حُرجية يحتاج بالضرورة إلى بنيةٍ تحتية وفوقية ومرافق ومبانٍ للإدارة والتدريس وميادين التدريب ومنشأت للتخزين والتموين وطرقٍ لنقل الأفراد والآليات براً وجواً، وأبراجٍ للإتصالات والمراقبة، ونقاطٍ أمنيةٍ، وباقي الخدمات المساندة. وهو ما سينعكسُ بشكلٍ سلبيٍّ على المحيط الحيوي النباتي والحيواني في المنطقة برمتها، وبما يُهددُ سلامة البيئة وصحة الإنسان، ويُساهم في تراجع الغطاء النباتي في الأردن، مع العلم أن الأردن من الدول التي تقل مساحة الغابات فيها عن 1% من المساحة الإجمالية للدولة.
كل ذلك يدعوني للقول بأن مشروعاً من هذا النوع لا يتفق مع طبيعة الاراضي الحرجية التي تشترط أن يكون المشروع مما يتناسب مع طبيعة المنطقة الحرجية بهدف عدم إلحاق الضرر بالطابع الحرجي للمنطقة ونظامها البيئي والحيوي.
ثانياً الاستثناء المسموح به – على عِلاّته- منوط بكونه في المحافظات التي تحتاج إلى تنمية اقتصادية أو اجتماعية على الاراضي الحرجية فيها.
ومنطقة "برقش" هي بلا شك منطقة تحتاج إلى تنمية اقتصادية و اجتماعية. ولكن هل تُحقق الكلية العسكرية هدف التنمية هذا؟ في المسألة شكٌ كبيرٌ، لأن الكلية بحكم طابعها العسكري وحساسية ذلك، سوف تُدار وتُخدم – على الأغلب- من قِبلِ طاقم عسكري محترف من مرتبات القوات المسلحة الأردنية، وقد تجري الاستعانة بكوادر أجنبيةٍ محترفة في بعض المجالات. بل إن المتطلبات الأمنية للمشروع قد تعيق حركة الأفراد في المنطقة برمتها وبما يُهدد فرصة الناس بالاستجمام ولو على مقربة من المشروع في مناطق غابات "برقش" المجاورة. كما أن تلك المتطلبات الأمنية يُحتمل أن تؤدي إلى انخفاض قيمة الأراضي المجاورة لصعوبة الحركة أو إقامة الأنشطة الحياتية أو الاقتصادية فيها.
ثالثاً: يقول مسؤول رفيع المستوى في وزارة البيئة أن الموافقة على إقامة مشروع الكلية في غابات "برقش" مشروطة بتقديم دراسة تقييم أثر بيئي، وفي هذا المجال يكفي إيراد نص المادة 13/أ من قانون حماية البيئة النافذ، التي جاء فيها " تلتزم كل مؤسسة او شركة او منشاة او أي جهة يتم انشاؤها بعد نفاذ احكام هذا القانون وتمارس نشاطاً قد يؤثر سلبا على البيئة باعداد دراسة تقييم الاثر البيئي لمشاريعها ورفعها الى الوزارة لاتخاذ القرار المناسب بشانها " للقول بأنه لا يوجد في قانون حماية البيئة أو نظام تقييم الأثر البيئي الصادر بموجبه ما يُسمى موافقة بيئية مشروطة بإجراء دراسة تقييم الأثر البيئي، لأن دراسة تقييم الأثر البيئي متطلب سابق للمباشرة لصدور الموافقة البيئية والمباشرة بالمشروع. ورغم عدم وجود نص في نظام تقييم الأثر البيئي على مسمى مشروع "كلية عسكرية" أو ما يماثلها من أوجه النشاط المؤثر على البيئة، لكن وبالنظر إلى خصوصية المناطق الحرجية وحساسيتها البيئية، فإن التطبيق الأمثل للنصوص يقتضي إجراء دراسة تقييم الأثر البيئي كشرطٍ للموافقة البيئية وليس كما قال المسؤول بأن الموافقة البيئية صدرت مشروطة بإجراء دراسة تقييم الأثر البيئي.
رابعاً: يحاول البعض القول بأنه ستتم زراعة شجرة أو أكثر مقابل كل شجرة يتم قطعها، وفي ذلك مفارقة غير مقنعة فشجرة نادرة معمرة عمرها يناهز خمسة قرون أو أكثر لا تعادلها غابة من الشجيرات غير المضمون نجاحها ونموها. وأرى أن مثل هذا الطرح يقصد به – وبشكلٍ غير منطقي ولا علميّ- ابطال أحد مبررات معارضة المشروع ليس إلاًّ.
وأخيراً أكرر بأن "برقش" تحتاجُ فعلاً إلى مرافق بسيطةٍ لإنشاء وخدمة السياحة البيئية، وخطةٍ للترويج السياحي وتوعيةٍ لسكان المنطقة بأهميتها السياحية والبيئية، وتمكينٍ لهم من خلال مشاريع صغيرةٍ ومتوسطةٍ للتنمية الإنسانية تُساهم في خفض معدلات الفقر والبطالة، كما وتحتاج "برقش" – قبل ذلك وبعده- إلى دعم نظامها الحيوي البشري والنباتي والحيواني أو على أقل تقدير إلى عدم المساس به كي تظل رئةً يتنفس منها الأردن.