اتابع من يومين هذا الثقل الاعلامي العجيب الذي يلقي به تقرير : هيومن رايتس ووتش عن سحب الجنسية التعسفي من الاردنيين من اصول فلسطينية..!
لا اعرف ان كانت تقارير هيومن رايتس تلقى كل هذا الحجم من الاهتمام في العالم العربي ، الذي جعل من تقرير منظمة غير حكومية بهذا الزخم من الاهمية العربية..!
ردود الافعال التي طالت اكثر وسائل الاعلام العربية ولا اعرف حجم الردود على الجانب غير العربي ، حتى خُيل الي ان زوجتي ذات الاصول الفلسطينية قد لحقت بهذا الركب وربما تفقد جنسيتها الاردنية قريبا ، وسأسعى لردها باعتباري اردني ، لا اعرف الى اي عهد يعود جدي العاشر اذ سكن الاردن كما بقية عشائر الاردن التي تمتلك مواثيق انساب ابعد من ذلك ..!
لست معنيا بالرد على هذا التقرير الذي يؤثر حتى على التجانس الاردني من الداخل ويثير الشكوك بين ابناء الوطن الواحد ، فالجهات الرسمية هي المخولة بذلك وقد فعلت ، لكن الذي يعايش الواقع الراهن في الاردن ، يعلم علم اليقين ان ما تردد في وسائل الاعلام العربية اذ علقت هيومن رايتس الجرس المزعج هذا ، ان التقرير الذي يحظى بتأيد واسع خارج الاردن هو محض هزال داخل الاردن ، فلا الجنسيات الاردنية قد سحبت ولا الاردنيين من اصول فلسطينية هم في مهب الجوازات التي لا يعرف ان تسير ، وقد ناقض التقرير نفسه فقد قال بان
الاردنيين من الاصول الفلسطينية هم غالبية ثم ذهب الى الحديث عن مسلسل سحب الجنسات ولا ادري هل قصد الى ان ذلك سيؤدي الى انهاء مواطنة غالبية السكان على حد ما ذهب اليه ، كلام منتهى الفضول الرد عليه ولا اتعقد انه يجد اذانا صاغية الا خارج حدود الاردن..!
لقد ذهبت هيومن رايتس ومن قبلها وسائل اعلام عربية الى اخذ شريحة مزدوجة الجنسية او تحمل جوازات مؤقتة او جوازات عبور اذا جاز التعبير وهي مشكلة حقيقة نحت نحو تهويل حجم مشكلة الجنسية في الاردن ، وان كانت مشكلة حقيقة نأمل ان تجد طريقها للحل قريبا ، وبواقع الاخوة التاريخية التي تجعل من الاردن معنيا بحل هذه القضية نأمل ان يتم حسمها قريبا ، دون ان يتم تلبيسها اكثر مما تحتمل كما فعلت وسائل الاعلام العربية للاسف الشديد ، وفي هذا السياق تعتبر الدولة الاردنية الاكثر انفتاحا في معالجة مشكلة اللاجئين او الوافدين خلال 60 سنة من عمر الصراع العربي الاسرائيلي والذي لن ينتهِ في يوم من الايام ، وهو ما افرزته نتائج اتفاقيات السلام التي بدأت بكامب ديفيد وربما تنتي بسوريا او ايران ، المهم القضية باقية والانفتاح الاردني في هذا السياق هو الافضل قياسا بما تم في بعض الدول العربية مع الوافدين الفلسطينيين كسوريا ولبنان ومصر والسعودية ودول الخليج والعراق ..!
لن اخوض كثيرا في هذا الموضوع فالانفتاح الاردني هو قبل ذلك انفتاح السكان الاردنيين والفلسطينيين ، الذي جعل من عدد العوائل المتصاهرة بين الاردنيين من الاصول الاردنية والفلسطينية نحو مليون حالة ، في شعب اجمالي سكانه ستة ملاين نسمة بصغيرها وكبيرها ،
فيما تبلغ عدد العائلات الاردنية المتصاهرة مع دولة عربية شقيقة ضمن احصائيات سابقة وهي سوريا نحو 300 الف عائلة ، وهو ما جعل فكرة التجنيس بالاصول فكرة معدومة على الارض ، تتمايز دائما فكرة الاقليمية على كل الاراضي العربية بين شمالها وجنوبها وعشائرها واثنياتها واعراقها ، وهو واقع نأمل ان ينهار في العالم العربي لكنه موجودٌ بالفعل ، ودول الخليج تتحدث عن خليجيين من اصول ايرانية وهندية و شامية ومصرية ، ومع ذلك تبقى الجنسية موضوعا مختلفا حال الامر في الاردن ، وباعتبار قضية فلسطين قضية قائمة والمعابر قائمة والاحتلال قائم والسلطة الفلسطينية موجودة فمثل هذه الحالات الفردية تبقى موجودة ونأمل ان تجد طريقها للحل العاجل وتفوت الفرصة على هذا الاعلام الذي ضللني كأردني قبل ان يضلل الشارع العربي..!
في مراجعة الواقع العربي الحالي تجد الاردن الوحيدة او من الدول القليلة التي ليس لها معارضة سياسية مؤطرة في الخارج لتستثمر هذا التهويل غير الحقيقي، فحتى حزب التحرير الممتد لبعض الدول العربية الذي وجد باكورته من الضفيتين في الاردن ، لا يعتبر حزبا له قضية خاصة مع الاردن ، فهو معارض شامل لكل الدول التي يحل فيها ولا تقوم فيها دولة (الخلافة!!) ،وعلى الجانب الاخر وباعتقادي فالمعارضة الاردنية في الخارج ان وجدت فهي شخصيات اعلامية اغلبها من اصول فلسطينية وجدت في الهجرة خيارا برغماتيا تحولت بموجبه الى معارضة من الخارج وحاولت توظيف تقرير هيمون راتيس للضخ في الاعلام العربي ، وهو ما يرفضه كل الاردنيين حتى قوى المعارضة الداخلية باحزابها الرسمية واولها حزب جبهة العمل الاسلامي الذي يدرك تماما ان موضوع الجنسيات نحى منحا فوق طاقة الاردن وفوق ما يراد له بعد ذلك..!
الحديث عن الجنسية اليوم في الاردن يؤرق الكثيرين ، ويوقض الروح السلبية التي نتمنى ان تقفل بالحال ، وهو حال عشناه في سنوات سابقة ثم تولى بفعل ادراك الاردنيين-كل الاردنيين- لمخاطر وضع كهذا ، اذكر انه في حدود عشرين عام خلت ، وبسبب تداعيات كرة القدم التي عادة ما كانت تثير حساسية كهذه بثنائية تقليدية موجودة في اغلب الدول العربية وفي الاردن باسم الفيصلي والوحدات ، واتخذت ادارة الاخير قرارا بتغير اسمه المطابق لاسم احد المخيمات الفلسطينية الى اسم –فريق الضفتين- ولما خمدت الفتنة أعيد اسم النادي الى ما كان عليه..!
لا اعرف على وجه الدقة ماذا قدمت اكثر الدول العربية للقضية الفلسطينية التي يعاد تقيمها اليوم في تقرير مختزل لمنظمة معروف انتماؤها وهواها ، وهل هذا التقرير يستدعي الاردن لان تقدم كتابا ابيضا جديدا لكل ما تم انجازه خلال ستين سنة ، وهو انجاز باهت على المستوى العربي اجمالا ربما الاردن هي الافضل حالا فيه ، فحال القضية قبل اربعين سنة افضل من حالها اليوم والذين راهنوا عليها من زعماء الثورات العربية ( المجيدة !) تقهقروا تباعا ، ولم تحرر فلسطين ولم نلقى العدو في البحر ولم تعبر الصواريخ العربية من فوق رؤوسنا في الاردن تدك تل ابيب ، وليس حالنا افضل من القمة العربية التي عقدت بعد نكسة 1967 في الرباط وفضت القمة وخرج العرب دون بيان ختامي لان السادة المجتمعين لم يتفقوا على شيئ لتحرير فلسطين وهوالشأن القائم الى اليوم من غير مزاودات على قيادات عربية قومية وقيادات غير قومية ،،،!
الاردنيون من اصول فلسطينية في الاردن هم اردنيون من نسيج السكان الواحد ليسوا طارئين على البلد وليسوا ورقة ضغط كما تفعل بهم بعض الدول العربية ، فالعقيد القذافي عندما اختلف مع عرفات في اتفاقية السلام قاد الفلسطينيين عزل الى الحدود المصرية وقال لعرفات حررت فلسطين فامنحهم الجنسيات ، ولا على طريقة الحكومة العراقية التي تلت الاحتلال فرأت في الفلسطينين امتداد لعهد صدام حسين فقلبت عليهم رأس المجن واتت على رجل من عهد النضال اسمه ابو العباس فقتلته بالسم وهي تقول قتلنا به صدام حسين ، لا يمكن للاردنين من الاصول الفلسطينية ان يكونوا كذلك ولا يمكن للدولة الاردنية ان تقبل ان يكونوا كذلك ، ولعل هيومن رايتس تتفرغ لجرائم امريكا في العراق وافغانستان وانتهاكات حقوق الانسان فتكون بذلك محقة اذ تتحدث عن البلد الذي رعاها واوصلها لانتقادات دول لا تبغي من وراء ذلك الا تطبيق سياسات امريكية بعيدة الاجل ولعلها لا تكون ونأمل ان لا تكون..!