ما أتيح لمنظمة هيومن رايتس ووتش في عملها بالأردن خلال السنوات الماضية لم يتح لأحد في الصحافة الرسمية أوالخاصة ولا الأحزاب ولا المجتمع المدني، ولا لأحد من العرب، لسبب بسيط وهو أن هذه المنظمة ذات حضور وتأثير في واشنطن. والحكومة التي تمنع نشاطات بمناسبات وطنية لأحزاب المعارضة تستطيع حظر نشاط المنظمة في الأردن ومنع نشطائها من دخول البلاد، وهذا جزء من أعمال "السيادة"!
لا توجد تقارير سرية للمنظمة، وكل ما يصدر عنها منشور على موقعها على الإنترنت، ومن يرجع للموقع يستطيع الاستنتاج بأنها تمارس نقدا قاسيا للولايات المتحدة و"إسرائيل" ولحماس والسودان والسعودية ومختلف دول العالم من خلال معايير حقوق الإنسان التي تتبناها.
في تقريرها عن "سحب الجنسيات" أو " تصويب الأوضاع" لم تأت بكشف جديد، ولكنها سلطت الضوء على ما هو منشور من سنوات في الإعلام وفي تقارير منظمات حقوق الإنسان المستقلة أو التقارير الرسمية للخارجية الأميركية وغيرها من الدول الغربية.
لم تعبأ منظمة كهذه بإدارة أميركية كان يقودها صقور اليمين المحافظ، في وقت جُند فيه المجتمع الأميركي في "الحرب على الإرهاب"، وكانت رائدة في فضح ويلات سجون أبو غريب وغوانتانامو والسجون السرية، وهي لن تتوقف عن عملها بفعل التحشيد ضدها والتشكيك في تقاريرها ونواياها.
في التقرير طالبت المنظمة إسرائيل بفتح السجل المدني لأبناء الضفة الغربية، وهذا مطلب من المفروض أن يحمله وزيرا الخارجية والداخلية عندنا في كل محفل لأنه هو الذي يثبت حقوق الناس في الأرض التي تحتلها "إسرائيل". أما أن أطالب الضحية الواقع تحت الاحتلال بانتزاع تصريح الاحتلال فهذا غير واقعي، وفي ظل وجود معاهدة سلام مع الإسرائيليين لا بد من حسم هذه القضية معهم مباشرة على مستوى الدولة لا تكليف الأفراد بمعالجة الموضوع بـ"القطعة" والضغط عليهم من خلال الرقم الوطني.
القضية في غاية الخطورة والتعقيد، ولا يجوز أن تترك لتقارير خارجية. نحتاج إلى قليل من التواضع للتعامل مع مشاكلنا وعللنا بشفافية ونزاهة. ولتطرح كل الهواجس تحت الشمس بدلا من أن تتعفن في العتمة. في كل دول العالم توجد مشاكل تتعلق بالهوية والمواطنة، في أميركا تجد من يحدثك عن مظالم الأميركيين من أصول إسبانية أو إفريقية مقابل من يحذر من نهاية البيض، وفي فرنسا اهتزت أركان أعرق الدول الديمقراطية بعد انفجار قنبلة الضواحي. أما دول العالم الثالث فهي بين حرب أهلية قائمة وأخرى قادمة.
نواجه عدوا شرسا يستهدف الأرض والإنسان، والمعركة معه لم تنته بتوقيع معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية، وإن كان الأردن لم يتخلَ عن حق لاجئي 48 في العودة فهو لن يتخلى عن حقوق نازحي 67 في العودة والإقامة على أرضهم التاريخية.
الإيمان بثوابت العودة للاجئ والنازح، لا يتعارض مع حق المواطنة. وفي كل الضجيج الإعلامي لم يتم تجاوز خطين الأول أن الإجراءات تقتصر على الأوضاع الملتبسة التي قد ينطبق عليها قرار فك الارتباط ولا يمس الأردنيين من أصل فلسطيني عموما، والحد الثاني، وهو ما تقر به أيضا هيومن رايتس، أن المقيمين في الضفة الغربية الذين انطبق عليهم فك الارتباط ليسوا هم المقصودين بالاحتجاج وعددهم بالمناسبة 2.4 مليون وليس 2700من الحالات التي تناولها التقرير.
لم يطالب أكثر من مليونين بالجنسية التي فقدوها بعد قرار فك الارتباط، وليس كل 2700 لا ينطبق عليهم قرار فك الارتباط، لكن يجب أن يتاح لكل واحد منهم ولغيرهم فرصة المراجعة والتدقيق لقرار يغير مجرى حياتهم، ولو تبين أنهم جميعا مظلومون فهذا لا يغير التركيبة الديموغرافية للبلاد، ولا يعلن نتياهو انتصاره.
لقد طرحت هذه القضية بداية في الصحافة المعارضة وفي النقابات قبل أن تتبناها منظمة أميركية يحسب لها ألف حساب.