اعتقد الكثير ان الانتقادات التي وجهت للاداء المالي للحكومة السابقة لها ابعاد شخصية, وجرت حينها حملة اعلامية للدفاع عن مسؤولين بعينهم وترويج افكار ليس لها اساس في الواقع من دون النظر الى ما آلت اليه الاوضاع المالية العامة على ارض الواقع.
قانون الموازنة الحالي الذي ورثته الحكومة الحالية من سابقتها دليل واضح على صحة الانتقادات الاعلامية التي وجهت لمسؤولي الادارة المالية سابقا, فالاختلالات التي يشهدها قانون موازنة 2010 ليست فقط متعلقة بتنامي العجز ونقص في الايرادات, بل تطال التركيب الهيكلي للموازنة والافتقار الى أبسط قواعد بناء الموازنات باسلوب علمي وعملي متبع حسب أعراف وتعليمات جرى تأسيسها منذ عقود.
الحكومة الحالية تفاجأت بأرقام مضللة في قانون موازنة 2010 جرى رصدها لاخفاء عجز الموازنة الحقيقي والفعلي, فالحكومة السابقة بوزير ماليتها حينها قدروا العجز للعام المقبل بـ 685 مليون دينار, وقد اخفى معدو تلك الموازنة نفقات أكثر من 160 مليون دينار تشمل مستحقات دعم البلديات من المحروقات بقيمة 85 مليون دينار ناهيك عن رواتب لمؤسسات رسمية لا يمكن تجاهلها او تأخيرها.
في الوقت ذاته لجأت الحكومة السابقة الى رفع تقديراتها من الايرادات الضريبية بمقدار 252 مليون دينار من دون ان تقدم تحليلا بسيطا حول كيفية تقدير ذلك النمو في الايرادات المبنية اساسا على ارباح الشركات ومعدلات الاستهلاك والانفاق وجميعها في حالة تراجع, وقد قدرت وزارة المالية خسائر الخزينة من هذا البند وحده بحوالي 90 مليون دينار.
اما المفاجأة الاخرى التي ظهرت في موازنة 2010 هو تقدير الحكومة السابقة لحجم المنح للعام الحالي والبالغ قيمته 330 مليون دينار ليتبين ان هناك 170 مليون دينار منحا منتظرة لا يوجد لها اي اساس من حيث وجود اتصال او تطمينات من الدول المانحة حول تلك المساعدات, وهو امر يكاد يكون مشابها لما حصل في موازنة 2005 حين قدر وزير مالية "فهلوي" حينها المساعدات بـ 1.060 مليار دينار وعلى اساسها انفق ثلثي الموازنة في ثلاثة شهور ليتضح ان قيمة المنح الفعلية لم تتجاوز الـ 500 مليون دينار.
العجز الحقيقي والفعلي في موازنة 2010 هو 1.105 مليار دينار وليس 685 مليون دينار, اي بزيادة تناهز الـ 420 مليون دينار وهو مقدار ليس سهلا على الاقتصاديات العتيدة التعامل معه فكيف الحال بالاقتصاد الاردني الذي يعاني من مشاكل مزمنة بالمديونية والعجز والايرادات والنفقات?
ما حدث في موازنة 2010 امر لا يمكن السكوت عنه, ومن حق الرأي العام الاطلاع على التفاصيل وكيف تمت تلك العملية التي ستكون لها تداعيات كبيرة على الامن الاقتصادي للاردن, وستكون لها تداعيات من الصعب التخلص منها على مدى السنوات المقبلة.
للأسف انه لغاية الآن لم نسمع عن تقييم لاية سياسة اقتصادية جرى اتباعها في السابق, واعتادت الحكومات طي الملفات الواحدة تلو الاخرى, وهو امر أثار استياء الاردنيين الذين تتحمل جيوبهم فساد بعض المسؤولين واخطاء جسيمة ارتكبوها بحق الاقتصاد الاردني من دون ان تتم مساءلتهم, لا بل خرجت علينا بعض وسائل الاعلام مؤخرا تشير الى نية بتعيين وزير مالية سابق مسؤول عما آلت اليه امور الموازنة الحالية في منصب رئيس مجلس احدى كبريات الشركات الاستثمارية الرسمية, وان صحت تلك الانباء فانها مؤشر واضح على مدى استهزاء الحكومة بمشاعر الاردنيين الذين اثقل كواهلهم حمل الوزراء الفاشلين وسياستهم الخاطئة.
في النهاية كما قال جلالة الملك في خطابه امام الفعاليات الشعبية قبل اسبوعين في البحر الميت ان المرحلة المقبلة ستتسم بالمساءلة والتقييم والمحاسبة, والكل اخذ تلك التوجيهات السامية على اعتبار انها عنوان المرحلة المقبلة والجميع بانتظار ترجمة تلك التوجيهات الى سياسات على ارض الواقع لا ان تتم مكافأة الفاشلين من جيوب المواطنين.