زاد الاردن الاخباري -
حلم بالطب ودخل "الجندية" وكان قريبا من "الرابع" وتوقف عند "العبدلي"
كان جاذبا لقوى الموالاة للنظام وللدولة، كان كل طامح وطامع يبدأ خطوته الأولى إلى مناصب الدولة بطرق بابه ويغفو على عتبة منزله.
أحيانا يكون مانعا للصواعق ومفرغا للشحنات، وأحيانا أخرى مرسلا للشحنات الكهربائية التي كانت تغضب الكثيرين.
أمام ضعف التشكيل الحكومي كان أميل للصدام، وحين كان التشكيل يسير على هواه كان يقود الدفة باتجاه الحكومة، وكثيرا ما رست سفن الحكومات على شاطئه.
كان حلم عبد الهادي المجالي المولود عام 1934 أن يصبح طبيبا مثل شقيقه الأكبر الدكتور عبدا لسلام المجالي، وفي عقله ربما توقع ذات يوم أن يكون مثله رئيسا للحكومة.
الحلم الأول لم يتحقق فاختار عبد الهادي المجالي دراسة الهندسة في العراق عام 1957، أما الرئاسة فغالبا ما كانت الطرق سالكة باتجاه الدوار الرابع، لكن العجلات كانت تسير بتثاقل، وكانت بحاجة إلى تشحيم وإزالة بعض "المطبات" التي وضعها حاسدوه أمامه وما أكثرهم.
الهندسة فتحت أمامه أبواب العمل الرسمي، فبعد عودته من بغداد في منتصف الخمسينيات التحق بوزارة الأشغال. والأقدار آنذاك قادته إلى حفل عشاء ضم عدد من العسكريين، كان بينهم قائد الجيش العربي صادق الشرع الذي لفت نظره هذا الشاب القادم من قرية الياروت قرب الكرك، فدعاه إلى السلك العسكري، رغم أن "أبا سهل" تمنع بداية، ولم يكن قبوله لحياة الجندية سهلا .
ترقى في الخدمة العسكرية إلى أن وصل إلى رتبة رئيس هيئة الأركان عام 1976.
التجربة التي أثرت طموحه ودغدغت أحلامه القديمة كانت حين عين سفيرا في واشنطن لمدة عامين، ورغم قصر الفترة نسبيا إلا أنها سمحت له بفتح كوة كبيرة واسعة اطل من خلالها على الفناء الخلفي للسياسة.
وجوده في واشنطن العاصمة التي تصنع السياسة الدولية هيأ له الاطلاع على "مشروع ريغان للسلام" وهو مشروع لقي القبول والاستحسان من "أبي سهل".
عاد إلى ارتداء البزة العسكرية بعد أن كلف بمنصب مدير الأمن العام لمدة أربع سنوات، أشيع بعدها أنه سيترشح للانتخابات لكن ذلك لم يتم بسبب ترشيح شقيقه المرحوم عبد الوهاب المجالي للانتخابات.
بهدوء وفي غفلة حزبية كان المجالي يطبخ على نار هادئة حكاية "الحزب الوطني" وهو حزب وسطي خرج إلى النور بعد إقرار قانون الأحزاب وقبلها شكل "حزب العهد الأردني".
وجود عبد الهادي على هرم الحزب وشقيقه عبد السلام في الحكومة أغرى كثيرين بركوب موجة الحزب، وخاض انتخابات المجلس الثالث عشر وحصد الحزب نسبة معقولة من المقاعد، رغم أن الفائزين ترشحوا عن عشائرهم وليس بناء على برنامج الحزب السياسي، وكان "أبو سهل" أحد الفائزين .
لم يكن يؤمن بالأحزاب الجماهيرية وبالكم، إيمانه أكثر وضوحا حين يتعلق بالأشخاص والنخب، كان يرى ضرورة أن تنكمش التجربة الحزبية إلى أربعة اتجاهات رئيسة، إسلامي واشتراكي وقومي ووسطي.
استثمر وجود نواب للحزب في المجلس النيابي فشكل "جبهة العمل الوطني"، وقاد الجبهة إلى المشاركة السياسية الفعلية من خلال الدخول في حكومة عبد السلام المجالي، وفي حكومات لاحقة ودخل "أبو سهل" شخصيا في إحدى هذه الحكومات وزيرا للأشغال العامة.
مباشرته وصراحته حركت من حوله الأعداء والمنافسين والمتناقضين معه، وفي المقابل أوجدت كتلة من المعجبين بطروحاته السياسية.
لم يكن يخفي آراءه الخاصة التي تبدو أحيانا مباشرة وغير مغلفة بورق السلفان، رغم محاولاته الناجحة لصياغتها بطرق دبلوماسية وقالب تنظيري متماسك.
مفرداته اللغوية لم تتبدل وإن أخذت أشكالا لغوية مختلفة، كما هو الحال في مستقبل العلاقة الأردنية الفلسطينية ودور الإسلام السياسي في الأردن.
كان الحاضر الغائب في أزمات كثيرة مر بها الأردن. وأحيانا، وفي فترة عصره الذهبي، كان صاحب الحل والعقد في بعض الأزمات .
وجوده في رئاسة مجلس النواب كان عصيا على الاختراق لأنه كان يحسن أفضل من غيره بناء التحالفات وخلخلة الكتل فتولى الرئاسة لتسع دورات برلمانية، وختم مسيرته السياسية بوصفه أمينا عاما لـ"حزب التيار الوطني" الذي أعلن المجالي عن حله عام 2017، مؤكدا أن سبب حل الحزب، هو عدم وجود إرادة سياسية للعمل الحزبي، واصفا العمل الحزبي بأنه مجرد "عمل ديكوري".
لم يخفي أنه كانت لديه الرغبة بإضافة لقب دولة خلال فترة ما بعد توليه منصب وزير، وهي رغبة تلاشت في سنواته عمره الأخيرة.
ولم يكن يشعر على الإطلاق بأنه "ختيار" رغم سنوات عمره الطويلة، مؤكدا أنه لا يزال يعمل بالسياسة ويقدم المحاضرات ويمارس المشي.
كان المجالي ينفي باستمرار ما أشيع عن ثروته واحتفاله بتحقيق الملايين والمليارات، مؤكدا أنه "مديون بأكثر من 3 ملايين دينار". وعلل المجالي سبب ديونه بأن قيمة المصروفات لديه أعلى من مقدار الدخل.
وكان حين يعدد التهم التي ألصقت به، وما أكثرها، كان يبدأ بصفقة سيارات "الأودي" حين كان مديرا للأمن العام، وحتى وقت قريب من وفاته كان ينفي كل التهم والإشاعات التي دارت حوله ووصلت إلى الحديث عن أسرته الخاصة.
استقبل بحفاوة شعبية في الكرك حين عاد عام 2011 من رحلة علاج في لندن .
وكان يبدو رجلا قويا صلبا في مواجهة المحن الصحية والسياسية التي أحاطت به في سنواته الأخيرة، لكنه لم يصمد أمام "كوفيد19" المرض الماكر فرحل عن 87 عاما بعد أن ابتعد عن العمل العام، ربما مكرها، ورغم إرادته.