عقول برسم البيع
ليس هناك من لا يعتقد بتفوق قدرته العقلية على الآخرين وأنه لا يوجد من يدانيه فيها أو يتفوق عليه. فالعقل في الرأس مدينة يديرها صاحبها كيف يشاء وكل بحكمه راضٍ ولا يقبل أو يتقبل نقد الآخرين.
يحتج الإنسان كثيراً على مقدار رزقه ويعمل على زيادته جاهداً ولكننا أبدا لم نجد من يحتج على قدرته العقلية ويبحث عن تغييرها مهما كانت هذه القدرة من القوة أو الضعف. لو سألت إنسانا عن رزقه لأشبعك شكوىً وتذمراً ولو استشرته في مسألة ( مهما كانت طبيعتها ) لصدّع رأسك حكماً ومواعظً.
فإذا كنّا جميعا نعتقد بكمال قدراتنا العقلية فلماذا رهن الكثير منا عقولهم وجعلها آخرون برسم البيع؟ لماذا أوكل بعضنا حياتهم للآخرين يديرونها لهم ووقفوا يتفرجون على شريط حياتهم وكأنهم يقرأون قصة حياة غيرهم؟ نماذج كثيرة تمر علينا في حياتنا نشعر وكأن أصحابها لا قيمة لهم ولا وزن. ( (أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ....... (سورة الأعراف179 )
فإذا كانت الأرزاق والعقول من عند الله فلماذا رضينا بالعقل واعتقدنا بكماله واعترضنا على الرزق وسعينا إلى زيادته؟ وإذا كان اعتقادنا بأن الله قد أنعم علينا بكمال العقول فلماذا ركنّا هذه العقول جانبا وركضنا خلف ركب غيرنا نبتغي من عندهم حسن الإدارة؟
الاستخدام السليم للقدرة العقلية تفرض على صاحبها استقلال القرار وحسن التقرير والتمييز بين الصواب والخطأ. أما أولئك الذين يفتقرون إلى هذه القدرات ويعملون بعكسها فإن قدراتهم العقلية مرهونة لغيرهم.
صحيح أن القدرات العقلية تتفاوت بين البشر ولكن باستطاعة كل منا أن يدير حياته بقدر ما أعطاه الله من قدرات. أما أولئك الذين يتحركون في كل الاتجاهات بدون إرادة ولكن تبعا لما يمليه الآخرون وكأنهم مؤشر اتجاه الريح فأنهم حقيقة قد وضعوا عقولهم برسم البيع.
كثير من العقول باعها أصحابها فعلا. فالمعلم الذي لا يؤدي رسالته والطبيب الذي ينسى أن الناس بحاجة إلى إنسانيته أكثر من حاجته إلى جيوبهم، والمهندس الذي باع نفسه للشيطان من اجل المال والعامل الذي لا يعمل إلا تحت الرقابة وقبل كل هؤلاء صاحب المدونة أو الصحيفة الذي جعل الحرية شعار صحيفته في الظاهر وأعمل مقص رقابته في الباطن وحجر على عقول الآخرين لأنهم يخالفونه الرأي والمواطن الذي اقنع نفسه بالعجز وجلس يتمنى على الله الأماني وترك للشارد والوارد إرادة التحكم فيه، كل هؤلاء بالفعل قد باعوا عقولهم ولم يبق لهم إلا السير مع القطعان إلى مقاصب التاريخ.
وأخيرا لو أعاد الله توزيع العقول والأرزاق فهل ستختار عقلا غير عقلك الذي وهبك الله ..أم رزقا غير الرزق الذي أعطاك الله إياه؟