تفهم شبابنا وتبني حاجاتهم .. ضرورة ملحة
الكاتب : فيصل تايه
من منا ينكر دور الشباب في الريادة المجتمعية .. وحقيقة ذلك على مختلف المستويات .. فهم من يشكلون الفئات الواسعة من أطياف مجتمعاتنا العربية الشابة من حيث .. العدد .. والزخم.. والفاعلية.. خاصة فيما يتعلق بالعملية الإنتاجية والتنمية.. فهم روح الأمة الوثابة وحيويّتها المتدفقة وعزيمتها الفتية .. إلا أنني اعتقد ومعي الكثيرين .. أن هذه الفئة هي الأكثر استهدافاً .. لما تواجهه من تحديات مصيرية جسيمة تتعلق بأوضاعهم التي تنذر بمستقبل مبهم المعالم .. فهم يفتقدون إلى الاستراتيجيات القادرة على توظيفهم بشكل يؤمن لهم رغد العيش الكريم ..وتدفعهم باتجاه الإنتاج والبناء وتعزيز الديمقراطية الحقّة.. فهم في أمس الحاجة إلى من يلتفت إليهم ويهتم بهم .. فسماعهم وتبني مطالبهم والاهتمام بأفكارهم وتحقيق تطلعاتهم ووقف هدر طاقاتهم إضافة الي الاستقلالية التي تمكنهم من امتلاك مساحات رحبة من الحرية تمنحهم على ضوئها هامشاً من التعبير عن آرائهم ليتمكنوا من أداء دورهم الطليعي خدمة للوطن..كل ذلك أصبح من الضرورات الملحة والحتمية .. لأننا نخشى عليهم في ظل الظروف والتحديات التي نعيشها .. فهم أبناء هذا النسيج الاجتماعي واعتقادي جازماً أننا بحاجة لاستثمار جميع طاقاتهم وإمكاناتهم الإبداعية الخلاقة ليتحملوا مسؤولياتهم تجاه وطنهم وخدمة لقضايا أمتنا وأملاً لتطلعاتنا في الوحدة والحرية والحياة الفضلى في ظل عقد اجتماعي أساسه العدل والمساواة .. فنحن هنا في الأردن لسنا في منئى عمّا يدور حولنا من أحداث .. بل إننا بحاجة إلى ثقافة جديدة تضرب بعمق ضمير الشباب .. تخاطبهم بلغتهم وتفكيرهم وترشدهم للابتعاد عن الاستهلاك والمدنية الزاهية ليتمكنوا من مجابهة شعاعها الأخاذ.. بل وتوجههم نحو الايجابية في العمل والابتعاد عن الطرق والوسائل غير القانونية المضللة بحيث لن يكونوا فريسة سهلة للأفكار الخبيثة واللئيمة التي تعبث بأفكارهم وتوجههم نحو العنف أو نحو تبني رؤى ومعتقدات هدامة غريبة عن عاداتنا وقيمنا وأخلاقنا .. بل ومن الضرورة بمكان تعزيز ثقافة الحوار لديهم وتقبلهم للرأي والرأي الآخر .. بعيدا من التهميش والحرمان وإشباع الحاجات .. بل إنني على يقين أنهم بحاجة إلى المساعدة في التصدي لأي شكل من أشكال البؤس والقمع والحقد .. ذلك بعدم إقصائهم أو إبعادهم وضرورة إشراكهم في المشهد السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي .. لخوفنا عليهم أن يكونوا عناصر هدم وتخريب .. تجنباً لتحول طاقاتهم إلى نار خامدة ما تلبث أن تنثر لهيباً يولد العنف كما يحدث الآن في مختلف المجتمعات العربية .
إن الحراك الشبابي العربي وتداعياته كان له التأثير القوي بين صفوف الشباب وفكرهم في مختلف دول المنطقة وأصبحت صورة التغير هي الصورة الوحيدة التي يرونها .. ذلك بتشبعهم بثقافة الانقلاب بفعل غزو ثقافي وفكري تحريضي استهدفهم بصور قوية مستغلا أبوّة المجتمعات العربية . واحتكارها لمراكز القيادة المجتمعية وتهميشها لدور الشباب في قيادة عجلة التقدم مستغلة أسلحتهم العصرية وشغفهم بها عبر وسائل الاتصال الالكترونية الحديثة والفعالة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي عبر الشبكة العنكبوتية والقنوات الفضائية وغيرها وتحويلها لوسائل تثقيف وتوعية وتحريض لتحاكي الشباب وتشبع رغباتهم .. وتشعل نيرانهم الخامدة لينتفضوا على واقعهم .
وفي نظرة متأملة واقعية لا بد من التطلع إلى " هوية الشباب وقيمهم" ذلك ما استحوذ على اهتمام معهد السياسة العامة التابع للجامعة الأمريكية في بيروت الذي نظم ندوة أقيمت في دولة الإمارات العربية المتحدة وبمشاركة من اليونسكو .. حيث توصلت إلى أهم الأسباب التي أدت إلى انتفاض الشباب وتحركهم والتي تكمن في إخفاق نظم التعليم في تعزيز التطلع إلى التطور الذاتي .. إضافة إلى أن اقتصاديات البلدان التي حدثت فيها إرادة التغيير لا تطلق الإمكانيات الكاملة لطاقات الشباب ومواهبهم .. كذلك فان نظم الحكم السياسية تتعامل مع الشباب والبالغين بطريق مهمشة دونية وكأتباع وليس كمواطنين يتمتعون بحقوق سياسية وطنية وإنسانية ..ومن الأسباب الجديرة بالاهتمام أيضاً عدم مساءلة أصحاب القرار في السلطة ومحاسبتهم.
كما وتوصل المشاركون في الندوة إلى أن غالبية الشباب في العالم العربي يشعرون بوجود قيود اجتماعية وسياسية ودينية واقتصادية وأمنية تحد من حرياتهم وحركتهم في الحياة ولا تتيح لهم إمكانية التعبير عن شخصياتهم وأفكارهم وقيمهم بصورة كاملة.. واستنتجت الندوة أيضا أن اغلب الشباب العربي منقسمون إلى قسمين : من هم معجبون بقيم الحداثة والمعاصرة والتقدم .. أو من هم متمسكون بالقيم التقليدية وخاصة الإسلامية، بالرغم من أن الواقع هو أكثر تعقيدا من هذا التقسيم .
ضمن ما تقدم .. دعونا نعترف أن المجتمعات العربية اليوم هي مجتمعات متأزمة .. تواجه معضلات جمة .. متمثلة بالفقر والقهر والقمع والاستغلال والبطالة بكافة أشكالها .. متفوقة في معدلاتها جميع المستويات العالمية.. ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل يتعداه إلى تدهور سياسات التربية والتعليم والفساد الإداري والمحسوبية وانعدام الشفافية والمكاشفة .. وهذا سببه بالطبع عدم وجود صورة واضحة وشفافة لأيدولوجيات نهضوية تخاطب فئات الشاب .. بل إن الكثير من تجار السياسة اليمينين واليساريين ما زالوا متشبثين برؤى فكرية مستهلكة وخطاب سياسي تقليدي ممتهن .. دون تقديم مصلحة الوطن والمواطن كأولويات لبرامج عملها وخاصة عنصر الشباب .. ما أدى ويؤدي إلى هدر الطاقات والإمكانات والكفاءات الشبابية وإبعادهم عن المشاركة في القضايا المصيرية .
إننا بحاجة ماسة لفهم شبابنا واستيعابهم من اجل الوقوف على القضايا التي تمسهم بعيداً عن الشعارات والهتافات .. فالحراك الشبابي الذي أصبح يأخذ مكانه يوماً بعد يوم يبعث على الأمل والتفاؤل في خضم منظومة عالمية جديدة . فمن المؤكد أن شبابنا أكثر وعيا وإدراكا لواقعه وتقديراً لمستقبله لإيجاد السبيل الذي يكسبه العيش بحرية وكرامة .. والوقوف بوجه قوى الشد العكسي .. وهذا ما ينبئ بمستقبل زاهر للأجيال القادمة للنهوض والرفعة .. بعيدا عن الصمت والخوف والانكسار .
إن شبابنا هنا في الأردن بحاجة ملحة لفهم صريح لمضامين رسالة عمان المبنية على الفهم الواضح لمنطق الحياة المعاصرة .. كخيار حتمي .. لتكون قاعدة للعمل .. انطلاقا من الحرص على ترسيخ مفاهيم الوسطية والاعتدال وتأكيد قيم التسامح والحوار وقبول الآخر ..بشكل يسهم في تنمية مجتمعنا الأردني الفتي وتطوره .
ولن تأتي النتيجة المرجوة إلا بتكريس وتعميق مفاهيم القيم الإنسانية ومفاهيم الحرية الحقة عند جميع مكونات مجتمعنا وعلى رأسها الشباب .. مع ضرورة تأكيد تبني منظومة القيم التي يحل فيها الإيثار بدل الاستئثار .. وروح التسامح بدل العصبية.. والحوار والتفاهم والقبول بالآخر بدل الاختلاف والتزمت والإقصاء ..
وأخيرا نحمد الله أننا أردنيون .. ونحمد الله أن وهبنا قيادة هاشمية شابة واعية متفهمة تقدر الشباب .. ضمن هذا النسيج الاجتماعي الواحد المتآلف والمتعاضد الملتف حول قيادته الفذة ..
حمى الله الأردن والأردنيين وحفظ الله مليكنا وأسرته الكريمة وأبقاهم فخرا وذخرا ونبراسا ومشعلا يضئ درب شبابنا ليحرسهم من كل مكروه ..
مع تحياتي
الكاتب : فيصل تايه
البريد الالكتروني : Fsltyh@yahoo.com