أيها الشباب...
خلاص... ما فيش خوف تاني...
ما فيش ظلم تاني...
بقلم: د. آية عبد الله الأسمر
في العدد السابق من "صالون الأربعاء" استهلت الزميلة والصديقة هدا السرحان مقالتها الأسبوعية في جريدة "العرب اليوم" بصرخات نوار أحمد فؤاد نجم، التي ما زالت صدى كلماتها ترفرف حول مآذن أرواحنا المأخوذة بقوة الانفجار المبهر الذي صاحب لحظات التنحي والسقوط والانهيار، ولعل صدق تلك الكلمات البسيطة التي تفجرت من مآقي الشمس لحظة تحررها جديرة بأن تكون عنوان المرحلة المقبلة في تاريخ الأمة العربية الحديث.
اليوم وبالرغم من الأحداث الدامية التي ما زلنا نتابع تفاصيلها عبر الأقمار الصناعية في كل من ليبيا واليمن وسوريا، إلا أننا نستطيع أن نجزم بأننا نرى إشعاعات الحرية تضيء فضاءات الأمة العربية بعد غياب امتد عقودا طويلة، ولعل ما يهمنا كمثقفين ومفكرين هو المنحى الثقافي الفكري الذي سيطبع هذه المرحلة الحاسمة في تاريخ الشعوب، والانعكاس الثقافي الأدبي الإبداعي للحراك السياسي المتأجج الذي سيعيد صياغة الخطاب الثقافي الأدبي الراهن.
منذ حوالي أسبوعين دعيت إلى مؤثمر "تيد إكس رام الله" في فندق لاند-مارك/ عمان، وباختصار يروي المؤتمر – عبر الأقمار الصناعية من رام الله وبيروت وعمان- قصص إبداع مدهشة تمكنت من أن تنسج ثوب نجاحها وألقها بخيوط إبداعية منقوعة في كوثر من الإصرار والتحدي والقوة والعنفوان والإيمان، حكايات كثيرة ومتقاطعة ومتشابكة وكلها تعلن عصيانا حاشدا ضد مراثي خنساء في أخيها صخر، وتتبرأ من نواح أبي عبدالله على جبل الريحان عقب سقوط غرناطة، قصصا ولدت من رحم الوجع والقهر ثم ما لبثت أن أورقت على ألق النجم وجبين الفجر وثغر الشمس، قصصا تلهمنا بأننا نستطيع أن نحقق كل شيء وأي شيء، فقط بإيماننا بأننا نستطيع ذلك!
شباب اليوم مختلفون ومدهشون ومبدعون وتواقون للجديد وللضوء والحياة، وقادرون على أن يزهروا ياسمينا أبيضا فواحا في ربيع المستقبل المحترق شوقا بانتظارهم، اليوم "ما فيش خوف تاني... ما فيش ظلم تاني...".
رسالة الثقافة والفكر والأدب مثل أدوات ووسائل الفن مرآة تعكس روح العصر الذي تنبع منه وتصب فيه، وعليه فمن المتوقع بل ومن البديهي أن الوقت قد حان لتمزيق شرنقة البكائيات والمراثي التي غلّفت الأدب العربي وحامت حول أطلاله، لننطلق إلى أفق تحقيق الحلم، ومن الضروري أن يحمل المثقفون والمفكرون اليوم شعلة التحرير ولواء المسيرة، من خلال خطاب ثقافي فكري نقدي يخاطب الوعي والعقل العربي بعيدا عن دغدغة الوجدان وإثارة العواطف.
اليوم نحن قادرون بل وملزمون على تجسير العلاقة بين الحلم والفكر والرؤيا، والمعارف النظرية والدراسات التاريخية والعلوم التكنولوجية، وبين عملية الخلق والإبداع والإصلاح والتطبيق العملي والبرهان العلمي والواقع المادي المحسوس، لنقطف ثمرة مزيج حي وفريد تمكن الشباب من اعتناق ركائزه وبلورة أبعاده، عبر مزيج مثير للإعجاب بين الانتماء والوطنية والقومية وبين الانفتاح على الآخر واستيعابه ومحاورته، مزيج يخلب الألباب بين الاعتداد بالهوية والتشبث بمفاهيم وعناصر التراث والحفاظ على استقلالية الذات، وبين الإقبال على الآخر بوعي انتقائي وحس نقدي والانخراط في عجلة الحضارات المختلفة ومواكبة روح العصر وتطوراته، مزيج يخطف الأنفاس إذ تمكن من عقد قران شرعي ومتكافئ بين الحلم والموضوعية، والنظرية والتطبيق والعقل والوجدان والفكر والإبداع والنهج والأسلوب، متجاوزا جدار التطرف والعشوائية وحواجز النزق والتهور والتخبط.
مصر اليوم هي البوصلة بعد أن عادت والعود أحمد، مصر ستغير وجه الحياة العربية لأنه "خلاص... ما فيش خوف تاني... ما فيش ظلم تاني..."، شرط أن نؤمن كما آمن أبطال مؤتمر "تيد إكس رام الله" برغبتنا في الخلاص من الخوف والظلم القابع في أحشائنا أولا والمتناثر من حولنا ثانيا.