زاد الاردن الاخباري -
كفّت محكمة التمييز الجزائية في لبنان يد المحقق العدلي القاضي فادي صوان عن التحقيقات في قضية انفجار المرفأ المروع، في خطوة انتقدتها منظمات حقوقية كونها تأتي بضغوط سياسية واضحة، في وقت لم يخرج التحقيق بعد ستّة أشهر على المأساة بأي نتيجة معلنة بعد.
ويهدد عزل صوان اليوم بإعادة التحقيقات الى المربّع الأول، فيما تتعرّض السلطات لضغوط متزايدة أبرزها من فرنسا للكشف عن نتائج التحقيق في الانفجار الذي أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة 6500 آخرين بجروح ودمار عدد من أحياء العاصمة.
وقال مصدر قضائي لوكالة فرانس برس "قررت محكمة التمييز الجزائية برئاسة القاضي جمال الحجار نقل ملف التحقيقات بانفجار مرفأ بيروت من يد القاضي صوان الى قاض آخر" لم تسمه بعد.
ومنذ تعيينه في 13 آب/أغسطس، يحقّق صوان في الانفجار الذي عزته السلطات إلى تخزين كميات هائلة من نيترات الأمونيوم لسنوات في أحد عنابر المرفأ من دون إجراءات وقاية.
وتبين أن مسؤولين على مستويات عدة سياسية وأمنية وقضائية كانوا على دراية بمخاطر تخزينها من دون أن يحركوا ساكناً.
وادعى صوان في العاشر من كانون الأول/ديسمبر على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وثلاثة وزراء سابقين، هم وزير المالية السابق علي حسن خليل ووزيري الأشغال السابقين غازي زعيتر ويوسف فنيانوس، إلا أن أحداً منهم لم يمثل أمامه في جلسات حدّدها لاستجوابهم كـ"مدعى عليهم".
وأثار الادعاء على المسؤولين الأربعة اعتراض جهات سياسية بينها رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري وحزب الله.
وتقدّم كل من زعيتر وخليل المقربين من رئيس البرلمان نبيه بري، إثر ذلك، بمذكرة أمام النيابة العامة التمييزية طلبا فيها نقل الدعوى إلى قاض آخر، بعدما اتهما صوان بخرق الدستور بادعائه على وزيرين سابقين ونائبين في البرلمان، بينما يتمتع هؤلاء بحصانة دستورية ويفترض أن تمرّ ملاحقتهم بمجلس النواب، وفق معارضي قرار الادعاء.
وعلّق صوان بعدها التحقيقات لقرابة شهرين قبل أن يستأنفها الأسبوع الماضي بعدما أعادت محكمة التمييز الملف إليه في انتظار البتّ في طلب الوزيرين.
- "خطوط حمر" -
ورغم ملاحظاتها على أداء صوان ومطالبتها إياه مراراً بالكشف عن نتائج تحقيقاته، إلا أن منظمات حقوقية رأت في عزله "خطوة سلبية".
وقال المحامي نزار صاغية، المدير التنفيذي للمفكرة القانونية، وهي منظمة غير قانونية تعنى بشرح القوانين، لفرانس برس الخميس "مجرد أن يرفض الوزراء والطبقة السياسية أن يكونوا موضع محاسبة، فهم بذلك يضعون خطاً أحمر للتحقيق، وهذا أمر خطير للغاية".
واعتبر أن "وضع خطوط حمر، وهو أمر تقليدي في لبنان، يحول دون تحقيق أي عدالة".
وبحسب المصدر القضائي، فإن المحكمة اعتبرت أن "ارتياب" الوزيرين في "حياد المحقق العدلي مشروع" كونه من المتضررين من الانفجار بعد تعرّض منزله لأضرار، واعتبرت أن ذلك "يصعّب عليه اتخاذ القرارات في الدعوى التي يحقق فيها مع المحافظة على تجرده".
وشدّدت الباحثة في منظمة هيومن رايتس ووتش في بيروت آية مجذوب على أن إبعاد صوان بسبب مذكرة تقدّم بها وزيران سابقان ادعى عليهما هو "استهزاء بالعدالة وإهانة لضحايا الانفجار والشعب اللبناني".
واعتبرت أن "المحاكم رسمت الخطوط الحمراء: لا يخضع السياسيون لسيادة القانون"، مضيفة "بعد أكثر من ستة أشهر، عدنا الى نقطة الصفر".
ويتعيّن على القضاء اللبناني الآن أن يبادر إلى تعيين قاض جديد لتولي التحقيق، وسيكون عليه الاطلاع على الملفات التي أعدها صوان وبدء بعضها ربما من جديد.
وتتعرض الطبقة السياسية بأكملها في لبنان لاتهامات بالفساد واستغلال النفوذ. وقامت في لبنان في تشرين الأول/أكتوبر 2019 تحركات احتجاجية تطالب بمحاسبة وإسقاط كل الطبقة السياسية استمرت أشهرا ونجحت في إسقاط حكومة آنذاك برئاسة سعد الحريري، لكن لم يتغير شيء في الأداء السياسي.
ولم تسفر التحقيقات في الانفجار عن أي نتيجة معلنة حتى الآن رغم توقيف 25 شخصاً على الأقل، بينهم مسؤولون عن إدارة المرفأ وأمنه. وقالت "هيومن رايتس ووتش" إن هؤلاء ما زالوا "رهن الاحتجاز دون توجيه اتهامات واضحة، في ظروف تنتهك حقوقهم في الإجراءات القانونية الواجبة".
- "تحقيق دولي" -
وقالت مجذوب "يجب أن تنتهي هذه المسرحية. نحتاج إلى إجابات أظهر لبنان انه غير قادر على توفيرها"، مجددة المطالبة بـ"تحقيق دولي مستقل في اقرب فرصة ممكنة".
ورفض لبنان إجراء تحقيق دولي في الانفجار، إلا أن فريق محققين فرنسيين ومن مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي شارك فيه. ولا يزال لبنان ينتظر تسلم التقرير الفرنسي لتحديد سبب الانفجار.
ويركّز التحقيق على ملاحقة المسؤولين عن الإهمال لتغاضيهم عن ترك كميات نيترات الأمونيوم في المرفأ.
وأجّج الانفجار غضب الشارع الذي بات يحمل الطبقة السياسية أيضاً مسؤولية الكارثة بعدما تبين أن الأجهزة الأمنية ومسؤولين سابقين وحاليين من الجمارك وإدارة المرفأ والحكومة كانوا على علم بمخاطر تخزين نيترات الأمونيوم في المرفأ.
وفي وقت سابق من الشهر الحالي، وبناء على طلب من لبنان، عمّم الانتربول النشرة الحمراء بحق ثلاثة أشخاص أفاد القضاء اللبناني بأنهم مالك السفينة التي نقلت نيترات الأمونيوم وقبطانها والتاجر الذي اشترى حمولتها.
وسطّر صوان مطلع الأسبوع استنابات الى الأجهزة الأمنية اللبنانية طلب بموجبها تبيان كامل هويات ثلاثة رجال أعمال سوريين يحملون أيضاً الجنسية الروسية، والتثبت مما إذا لهم مكان إقامة في لبنان تمهيداً لاستدعائهم الى التحقيق، بعد تقارير إعلامية أفادت عن وقوفهم خلف صفقة شراء شحنة نيترات الأمونيوم من جورجيا بواسطة شركة يُعتقد أنها وهمية مقرها بريطانيا.