زاد الاردن الاخباري -
نجح الكاتب الاميركي تريتا بارسي في كشف اجزاء مهمة من العلاقات السرية بين المثلث الاسرائيلي ـ الايراني ـ الاميركي, من خلال كتابه "التحالف الغادر ـ العلاقات السرية بين اسرائيل وايران والولايات المتحدة الاميركية". لعبة سياسية وفقا لبارسي, فإن إيران الثيوقراطية ليست "خصما لا عقلانيا" للولايات المتحدة وإسرائيل كما كان الحال بالنسبة للعراق بقيادة صدام وأفغانستان بقيادة الطالبان. فطهران تعمد إلى تقليد "اللاعقلانيين" من خلال الشعارات والخطابات الاستهلاكية وذلك كرافعة سياسية وتموضع ديبلوماسي فقط. فهي تستخدم التصريحات الاستفزازية ولكنها لا تتصرف بناء عليها بأسلوب متهور وأرعن من شانه أن يزعزع نظامها. وعليه فيمكن توقع تحركات إيران وهي ضمن هذا المنظور "لا تشكل "خطرا لا يمكن احتواؤه" عبر الطرق التقليدية الديبلوماسية. تشابه اجتماعات سرية -1 عرض إيران استخدام نفوذها في العراق لـ (تحقيق الأمن والاستقرار, إنشاء مؤسسات ديمقراطية, وحكومة غير دينية). المصدر: صحيفة السياسة الكويتية
وقد اماط بارسي الخبير في السياسة الخارجية الاميركية اللثام عن حقيقة الصراع الذي تدعيه هذه الدول الثلاث في قالب بحثي علمي دقيق وكشف عن مفاجأة تتمثل في استعداد ايران تقديم اعترافها باسرائيل كدولة شرعية.
التحالف الغادر:
التعاملات السرية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة الأميركية". هذا ليس عنوانا لمقال لأحد المهووسين بنظرية المؤامرة من العرب, وهوبالتأكيد ليس بحثا أوتقريرا لمن يحب أن يسميهم البعض "الوهابيين" أو أن يتهمهم بذلك, لمجرد عرضه للعلاقة بين إسرائيل وإيران واميركا وللمصالح المتبادلة بينهم وللعلاقات الخفية.
انه قنبلة الكتب لهذا الموسم والكتاب الأكثر أهمية على الإطلاق من حيث الموضوع وطبيعة المعلومات الواردة فيه والأسرار التي يكشف بعضها للمرة الأولى وأيضا في توقيت وسياق الأحداث المتسارعه في الشرق الأوسط ووسط الأزمة النووية الإيرانية مع الولايات المتحدة.
الكاتب هو"تريتا بارسي" أستاذ في العلاقات الدولية في جامعة "جون هوبكينز", ولد في إيران ونشأ في السويد وحصل على شهادة الماجستير في العلاقات الدولية ثم على شهادة ماجستير ثانية في الاقتصاد من جامعة "ستكهولم" لينال فيما بعد شهادة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة "جون هوبكينز" في رسالة عن العلاقات الإيرانية-الإسرائيلية.
وتأتي أهمية هذا الكتاب من خلال كم المعلومات الدقيقة والتي يكشف عن بعضها للمرة الأولى, إضافة إلى كشف الكاتب لطبيعة العلاقات والاتصالات التي تجري بين هذه البلدان (إسرائيل- إيران ـ اميركا) خلف الكواليس شارحا الآليات وطرق الاتصال والتواصل فيما بينهم في سبيل تحقيق المصلحة المشتركة التي لا تعكسها الشعارات والخطابات والسجالات الإعلامية الشعبوية والموجهة.
كما يكتسب الكتاب أهميته من خلال المصداقية التي يتمتع بها الخبير في السياسة الخارجية الأميركية "تريتا بارسي". فعدا عن كونه أستاذا أكاديميا, يرأس "بارسي" المجلس القومي الإيرانى-الأميركي, وله الكثير من الكتابات حول الشرق الأوسط, وهو خبير في السياسة الخارجية الأميركية, وهو الكاتب الأميركي الوحيد تقريبا الذي استطاع الوصول إلى صناع القرار (على مستوى متعدد) في البلدان الثلاث اميركا, إسرائيل وإيران.
يتناول الكاتب العلاقات الإيرانية- الإسرائيلية خلال الخمسين سنة الماضية وتأثيرها على السياسات الأميركية وعلى موقع اميركا في الشرق الأوسط. ويعتبر هذا الكتاب الأول منذ أكثر من عشرين عاما, الذي يتناول موضوعا حساسا جدا حول التعاملات الإيرانية الإسرائيلية والعلاقات الثنائية بينهما.
يستند الكتاب إلى أكثر من 130 مقابلة مع مسؤولين رسميين إسرائيليين, إيرانيين وأميركيين رفيعي المستوى ومن أصحاب صناع القرار في بلدانهم. إضافة إلى الكثير من الوثائق والتحليلات والمعلومات المعتبرة والخاصة.
ويعالج "تريتا بارسي" في هذا الكتاب العلاقة الثلاثية بين كل من إسرائيل, إيران و اميركا لينفذ من خلالها إلى شرح الآلية التي تتواصل من خلالها حكومات الدول الثلاث وتصل من خلال الصفقات السرية والتعاملات غير العلنية إلى تحقيق مصالحها على الرغم من الخطاب الإعلامي الاستهلاكي للعداء الظاهر فيما بينها.
وفقا لبارسي فان إدراك طبيعة العلاقة بين هذه المحاور الثلاثة يستلزم فهما صحيحا لما يحمله النزاع الكلامي الشفوي الإعلامي, وقد نجح الكاتب من خلال الكتاب في تفسير هذا النزاع الكلامي ضمن إطار اللعبة السياسية التي تتبعها هذه الأطراف الثلاثة, ويعرض بارسي في تفسير العلاقة الثلاثية لوجهتي نظر متداخلتين في فحصه للموقف بينهم:
أولا: الاختلاف بين الخطاب الاستهلاكي العام والشعبوي (أي ما يسمى الأيديولوجيا هنا), وبين المحادثات والاتفاقات السرية التي يجريها الأطراف الثلاث غالبا مع بعضهم بعضا (أي ما يمكن تسميه الجيو-ستراتيجيا هنا).
ثانيا: يشير إلى الاختلافات في التصورات والتوجهات استنادا إلى المعطيات الجيو-ستراتيجية التي تعود إلى زمن معين ووقت معين.
ليكون الناتج محصلة في النهاية لوجهات النظر المتعارضة بين "الأيديولوجية" و"الجيو-ستراتيجية", مع الأخذ بعين الاعتبار أن المحرك الأساسي للأحداث يكمن في العامل "الجيو-ستراتيجي" وليس "الأيديولوجي" الذي يعتبر مجرد وسيلة أو رافعة.
بمعنى ابسط, يعتقد بارسي أن العلاقة بين المثلث الإسرائيلي- الإيراني ـ الأميركي تقوم على المصالح والتنافس الإقليمي والجيو-ستراتيجي وليس على الأيديولوجيا والخطابات والشعارات التعبوية الحماسية...الخ.
وفي إطار المشهد الثلاثي لهذه الدول, تعتمد إسرائيل في نظرتها إلى إيران على "عقيدة الطرف" الذي يكون بعيدا عن المحور, فيما تعتمد إيران على المحافظة على قوة الاعتماد على "العصر السابق" أوالتاريخ حين كانت الهيمنة "الطبيعية" لإيران تمتد لتطال الجيران القريبين منها.
وبين هذا وذاك يأتي دور اللاعب الأميركي الذي يتلاعب بهذا المشهد ويتم التلاعب به أيضا خلال مسيرته للوصول إلى أهدافه الخاصة والمتغيرة تباعا.
واستنادا إلى الكتاب, وعلى عكس التفكير السائد, فإن إيران وإسرائيل ليستا في صراع أيديولوجي بقدر ما هو نزاع ستراتيجي قابل للحل. يشرح الكتاب هذه المقولة ويكشف الكثير من التعاملات الإيرانية ـ الإسرائيلية السرية التي تجري خلف الكواليس والتي لم يتم كشفها من قبل. كما يؤكد الكتاب في سياقه التحليلي إلى أن أحداً من الطرفين (إسرائيل وإيران) لم يستخدم أو يطبق خطاباته النارية, فالخطابات في واد والتصرفات في واد آخر معاكس.
وإذا ما تجاوزنا القشور السطحية التي تظهر من خلال المهاترات والتراشقات الإعلامية والدعائية بين إيران وإسرائيل, فإننا سنرى تشابها مثيرا بين الدولتين في الكثير من المحاور بحيث أننا سنجد أن ما يجمعهما أكبر بكثير مما يفرقهما.
كلتا الدولتين تميل إلى تقديم نفسها على أنها متفوقة على جيرانها العرب (superior). إذ ينظر الكثير من الإيرانيين إلى أن جيرانهم العرب في الغرب والجنوب اقل منهم شأنا من الناحية الثقافية والتاريخية وفي مستوى دوني. ويعتبرون أن الوجود الفارسي على تخومهم ساعد في تحضرهم وتمدنهم ولولاه لما كان لهم شأن يذكر.
في المقابل, يرى الإسرائيليون أنهم متفوقون على العرب بدليل أنهم انتصروا عليهم في حروب كثيرة, ويقول أحد المسؤولين الإسرائيليين في هذا المجال لبارسي "إننا نعرف ما باستطاعة العرب فعله, وهوليس بالشيء الكبير" في إشارة إلى استهزائه بقدرتهم على فعل شيء حيال الأمور.
ويشير الكتاب إلى أننا إذا ما أمعنا النظر في الوضع الجيو-سياسي الذي تعيشه كل من إيران وإسرائيل ضمن المحيط العربي, سنلاحظ أنهما يلتقيان أيضا حاليا في نظرية "لا حرب, لا سلام". الإسرائيليون لا يستطيعون إجبار أنفسهم على عقد سلام دائم مع من يظنون أنهم اقل منهم شأنا ولا يريدون أيضا خوض حروب طالما أن الوضع لصالحهم, لذلك فان نظرية "لا حرب, لا سلام" هي السائدة في المنظور الإسرائيلي. في المقابل, فقد توصل الإيرانيون إلى هذا المفهوم من قبل, واعتبروا أن "العرب يريدون النيل منا".
الأهم من هذا كله, أن الطرفين يعتقدان أنهما منفصلان عن المنطقة ثقافيا وسياسيا. اثنيا, الإسرائيليون محاطون ببحر من العرب ودينيا محاطون بالمسلمين السنة. أما بالنسبة لإيران, فالأمر مشابه نسبيا. عرقيا هم محاطون بمجموعة من الأعراق اغلبها عربي خاصة إلى الجنوب والغرب, وطائفيا محاطون ببحر من المسلمين السنة. يشير الكاتب إلى أنه وحتى ضمن الدائرة الإسلامية, فإن إيران اختارت إن تميز نفسها عن محيطها عبر اتباع التشيع بدلا من المذهب السني السائد والغالب.
ويؤكد الكتاب على حقيقة أن إيران وإسرائيل تتنافسان ضمن دائرة نفوذهما في العالم العربي وبأن هذا التنافس طبيعي وليس وليد الثورة الإسلامية في إيران, بل كان موجودا حتى إبان حقبة الشاه "حليف إسرائيل". فإيران تخشى أن يؤدي أي سلام بين إسرائيل والعرب إلى تهميشها إقليميا بحيث تصبح معزولة, وفي المقابل فإن إسرائيل تخشى من الورقة "الإسلامية" التي تلعب بها إيران على الساحة العربية ضد إسرائيل.
استنادا إلى "بارسي", فإن السلام بين إسرائيل والعرب يضرب مصالح إيران الستراتيجية في العمق في هذه المنطقة ويبعد الأطراف العربية عنها ولاسيما سورية, مما يؤدي إلى عزلها ستراتيجيا. ليس هذا فقط, بل إن التوصل إلى تسوية سياسية في المنطقة سيؤدي إلى زيادة النفوذ الأميركي والقوات العسكرية وهو أمر لا تحبذه طهران.
ويؤكد الكاتب في هذا السياق أن أحد أسباب "انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان في العام 2000" هو أن إسرائيل أرادت تقويض التأثير والفعالية الإيرانية في عملية السلام من خلال تجريد حزب الله من شرعيته كمنظمة مقاومة بعد أن يكون الانسحاب الإسرائيلي قد تم من لبنان.
ويكشف الكتاب ان اجتماعات سرية كثيرة عقدت بين ايران واسرائيل في عواصم اوروبية اقترح فيها الايرانيون تحقيق المصالح المشتركة للبلدين من خلال سلة متكاملة تشكل صفقة كبيرة, تابع الطرفان الاجتماعات فيما بعد وكان منها اجتماع "مؤتمر أثينا" في العام 2003 والذي بدأ أكاديميا وتحول فيما الى منبر للتفاوض بين الطرفين تحت غطاء كونه مؤتمرا اكاديميا.
ويكشف الكتاب من ضمن ما يكشف ايضا من وثائق ومعلومات سرية جدا وموثقة فيه, أن المسؤولين الرسميين الإيرانيين وجدوا أن الفرصة الوحيدة لكسب الإدارة الأميركية تكمن في تقديم مساعدة أكبر وأهم لها في غزو العراق العام 2003 عبر الاستجابة لما تحتاجه مقابل ما ستطلبه إيران منها, على أمل أن يؤدي ذلك إلى عقد صفقة متكاملة تعود العلاقات الطبيعية بموجبها بين البلدين وتنتهي مخاوف الطرفين.
وبينما كان الأميركيون يغزون العراق في ابريل 2003 كانت إيران تعمل على إعداد "اقتراح" جريء ومتكامل يتضمن جميع المواضيع المهمة ليكون أساسا لعقد "صفقة كبيرة" مع الأميركيين عند التفاوض عليه في حل النزاع الأميركي-الإيراني.
تم إرسال العرض الإيراني أو الوثيقة السرية إلى واشنطن. لقد عرض الاقتراح الإيراني السري مجموعة مثيرة من التنازلات السياسية التي ستقوم بها إيران في حال تمت الموافقة على "الصفقة الكبرى" وهو يتناول عددا من المواضيع منها: برنامجها النووي سياستها تجاه إسرائيل, ومحاربة القاعدة. كما عرضت الوثيقة إنشاء ثلاث مجموعات عمل مشتركة أميركية-إيرانية بالتوازي للتفاوض على "خارطة طريق" بخصوص ثلاثة مواضيع: "أسلحة الدمار الشامل" "الإرهاب والأمن الإقليمي" "التعاون الاقتصادي".
ووفقا لـ"بارسي" فإن هذه الورقة هي مجرد ملخص لعرض تفاوضي إيراني أكثر تفصيلا كان قد علم به في العام 2003 عبر وسيط سويسري (تيم غولدمان) نقله إلى وزارة الخارجية الأميركية بعد تلقيه من السفارة السويسرية أواخر ابريل أوائل مايو من العام 2003.
وتضمنت الوثيقة السرية الإيرانية لعام 2003 والتي مرت بمراحل منذ 11 سبتمبر 2001 ما يلي :
2- عرض إيران (شفافية كاملة) لتوفير الاطمئنان والتأكيد بأنها لا تطور أسلحة دمار شامل, والالتزام بما تطلبه الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشكل كامل ودون قيود.
3- عرض إيران إيقاف دعمها للمجموعات الفلسطينية المعارضة والضغط عليها لإيقاف عملياتها العنيفة ضد المدنيين الإسرائيليين داخل حدود إسرائيل العام 1967 .
4- التزام إيران بتحويل حزب الله اللبناني إلى حزب سياسي منخرط بشكل كامل في الإطار اللبناني.
5- قبول إيران بإعلان المبادرة العربية التي طرحت في قمة بيروت عام ,2002 أوما يسمى "طرح الدولتين" والتي تنص على إقامة دولتين والقبول بعلاقات طبيعية وسلام مع إسرائيل مقابل انسحاب إسرائيل إلى ما بعد حدود 1967 .
المفاجأة الكبرى في هذا العرض كانت تتمثل باستعداد إيران تقديم اعترافها بإسرائيل كدولة شرعية!! لقد سبب ذلك إحراجا كبيرا لجماعة المحافظين الجدد والصقور الذين كانوا يناورون على مسألة "تدمير إيران لإسرائيل" و"محوها عن الخريطة".
ينقل "بارسي" في كتابه أن الإدارة الأميركية المتمثلة بنائب الرئيس الأميركي ديك تشيني ووزير الدفاع آنذاك دونالد رامسفيلد كانا وراء تعطيل هذا الاقتراح ورفضه على اعتبار "أننا (أي الإدارة الأميركية) نرفض التحدث إلى محور الشر". بل إن هذه الإدارة قامت بتوبيخ الوسيط السويسري الذي قام بنقل الرسالة.
ويشير الكتاب أيضا إلى أن إيران حاولت مرات عديدة التقرب من الولايات المتحدة لكن إسرائيل كانت تعطل هذه المساعي دوما خوفا من أن تكون هذه العلاقة على حسابها في المنطقة.
ومن المفارقات الذي يذكرها الكاتب أيضا أن اللوبي الإسرائيلي في اميركا كان من أوائل الذي نصحوا الإدارة الأميركية في بداية الثمانينيات بأن لا تأخذ التصريحات والشعارات الإيرانية المرفوعة بعين الاعتبار لأنها ظاهرة صوتية لا تأثير لها في السياسة الإيرانية.
باختصار, الكتاب من أهم الدراسات والأبحاث النادرة التي كتبت في هذا المجال لاسيما انه يكشف جزءا مهما من العلاقات السرية بين هذا المثلث الإسرائيلي ـ الإيراني ـ الأميركي. ولا شك انه يعطي دفعا ومصداقية لأصحاب وجهة النظر هذه في العالم العربي والذين حرصوا دوما على شرح هذه الوضعية الثلاثية دون أن يملكوا الوسائل المناسبة لإيصالها للنخب والجمهور على حدا سواء وهوما استطاع "تريتا بارسي" تحقيقه في هذا الكتاب في قالب علمي وبحثي دقيق ومهم , ولكن ما لم يتم ترجمة الكتاب كاملاً للعربية ووصوله للقارئ العربي والمسلم فسيظل الكثير من شعوبنا يعيش في أوهام النصرة والنجدة الإيرانية للقضايا الإسلامية والعربية وعلى رأسها قضية فلسطين.