زاد الاردن الاخباري -
كتب : نضال منصور - لم يعد تشكيل الحكومات أو تعديلها يحظى باهتمام الناس في الأردن، فالقناعات تزايدت في المجتمع أن الحكومات لا تأتي استجابة لرغباتهم، ولا تترك أثرا يخدم المجتمع.
تشكيل الحكومات وتعديلها لا تحكمها مسطرة واضحة، ولا توجد معايير تستند إليها، وهي ليست حاصل مشاورات مع أحزاب سياسية، أو كتل برلمانية، وباختصار يخضع التشكيل أو التعديل لمزاج ورؤية رئيس الحكومة وعلاقاته، ويُنازعه في التفاصيل مرجعتين أساسيتين، هما الديوان الملكي والمخابرات.
يحدث في الأردن فقط، يدخل الوزراء إلى الحكومات ويخرجون منها وهم لا يعرفون لماذا اختيروا ابتداءً، ولما استبعدوا؟، وينطبق هذا الأمر حين يُنقل وزير ليتولى حقيبة وزارية أخرى، قد لا ترتبط باختصاصه ومعرفته.
بعد التعديل الوزاري الأخير الذي أجراه رئيس الحكومة الدكتور بشر الخصاونة، سألت أكثر من وزير تربطني بهم علاقة صداقة، هل أبلغك الرئيس لماذا ستغادر الفريق الحكومي؟، أجابني فورا بالنفي، بل أن وزيرا أكد لي أن رئيس الوزراء امتدح أدائه في الوزارة، وقال له "أنت لم تُقصّر، ولكنها متطلبات التغيير".
إضافة لمزاج رئيس الحكومة في اختيار الوزراء فإن اعتبارات الجغرافيا والديموغرافيا لها وزن أساسي في اختيارهم؛ ولهذا فإن الحكومات تخضع للتعديل لزيادة تمثيل محافظة غابت عن التشكيل الحكومي، أو احتج أبناؤها بأن تمثيلهم ضعيف.
تغيب عن الأردن الحكومات الحزبية أو البرلمانية، وكلما شُكلت حكومة أو عُدلت عاد الجدل مرة أخرى عن غياب الإصلاح السياسي في ظل هذه التشوهات التي تنظم آليات الحكم في البلاد، فالأحزاب وحتى البرلمان آخر من يعلم، وآخر من يجري مشاورتهما أو سؤالهما.
قصة تشكيل الحكومات أو تعديلها المستمر في الأردن أصبح مجالا خصبا للتندر وإطلاق "النكات"، فهناك وزارات استحدثت وألغيت بعد أشهر قليلة، ومسميات لوزراء استحدثت ثم اختفت من القاموس الأردني، ومع ذلك لا مفاجآت أو هلع إذا علمت أن الحكومات التي شُكلت منذ تأسيس إمارة شرق الأردن زادت عن 100 حكومة، وهناك ما يزيد عن 330 وزيرا متقاعدا ينتظرون أن يعودوا وزراء مرة أخرى في ظل سياسة تدوير المناصب.
بصراحة، آليات تشكيل الحكومات وتعديلها في الأردن تحتاج إلى دراسة لمعرفة الأسباب والدوافع؛ فالأمر لم يكن كذلك تاريخيا، فأول حكومة شُكلت في إمارة شرق الأردن برئاسة رشيد طليع كانت من حزب الاستقلال، وسليمان النابلسي شكل الحكومة عام 1956 بقيادة الحزب الاشتراكي الوطني، وحتى في تسعينات القرن المنصرم كان رؤساء الحكومات يضطرون لـ "توزير" النواب من الكتل البرلمانية المختلفة لبناء التوازنات، والقدرة على إدارة دفة الحكم.
أنجز رئيس الحكومة بشر الخصاونة أول تعديل على حكومته، فاستبعد وزراء، وأدخل وزراء جدد، والسمة العامة للحكومة ظلت ثابتة؛ فوزير الخارجية ظل مُمسكا بالسياسة الخارجية، ووزيرا المالية والصحة بقيا لمجابهة الكارثة الصحية والاقتصادية، واللافت كان استقطاب نائب مدير المركز الوطني للأمن والأزمات العسكري مازن الفراية لقيادة وزارة الداخلية، في رسالة يُفهم منها الاستمرار في نهج إدارة التعامل مع جائحة كورونا.
بعد مضي ساعات على حلف الوزراء اليمين الدستوري أمام الملك، تلقت الحكومة طعنة لطخت صورتها حين استقال الوزير معن القطامين احتجاجا على سحب حقيبة الاستثمار منه.
كان بإمكان الوزير- نجم السوشال ميديا - أن يستقيل قبل أداء اليمين، لكن الخروج بهذه الطريقة يُعيده إلى المشهد بطريقة "أفلام الأكشن" كـ "بطل" يرفض التهميش، متهما رئيس الحكومة بالانقلاب عليه، ويؤكد في رسالة استقالته أنه لا يبحث عن المناصب بل يبحث عن فرصة للتغيير.
في كل الأحوال تفاصيل استقالة الوزير القطامين لن تجد أذانا صاغية، وسوقا رائجا عند الجمهور الذي كان يُتابع فيديوهاته النارية الناقدة للحكومة قبل أن يُصبح وزيرا، وكثيرة هي الأصوات التي ستُذكره أنه ركب قطار الحكومة، والقفز منه لن يُلمع صورته ويجعله مُنقذا.
في تفاصيل مشهد التعديل الوزاري، قرأ المتابعون أن الرئيس حرص على تمثيل أفضل لما يُسمى المكون الفلسطيني، وراعى أكثر وجود وزراء ممثلين للمحافظات بعد أن تعرضت الحكومة -عند تشكيلها- للاتهام بالمناطقية، وقبل يوم من الاحتفال باليوم العالمي للمرأة اقتصر مشاركة النساء في الحكومة على وزيرتين، الطاقة والصناعة والتجارة، واستبعدت وزيرة التطوير المؤسسي، في وقت لا تتوقف فيه الماكينة الحكومية من الحديث عن التمكين السياسي للمرأة.
بات مُسلّما به في أدبيات الحكومات أن التعديل الوزاري يُطيل عمر الحكومة وأمدها، ويُشعرها بالاسترخاء أكثر، ويُتيح للرئيس أن يُحكم قبضته على تفاصيل العمل أكثر، وهذا ما بدا واضحا حين قرر الرئيس "إقالة" وزيري العدل والداخلية بعد اتهامهما بمخالفة أوامر الدفاع وحضور مأدبة عشاء زاد الحضور فيها عن العدد المسموح به، وهو ما اعتبر خطوة للتمهيد للتعديل، وفسره أيضا نشطاء على السوشال ميديا بمحاولة تلميع صورة الحكومة وشراء للشعبية، وتقليص لنفوذ وزراء في السلطة، وتحجيم لطموحاتهم السياسية.
انتهى التعديل الوزاري، ولكن الأزمات التي تواجه الحكومة تكبر وتزداد؛ فالوضع الصحي يزداد تعقيدا وسوءا بعد ارتفاع عدد الإصابات بفيروس كورونا، وتصاعد المطالبات بفرض حظر شامل لفترات طويلة للسيطرة على المنحنى الوبائي، وهذا يعني حُكما تعميق الأزمة الاقتصادية، والحكومة مطالبة بإيجاد حلول تخلق توازنا بين سلامة أرواح الناس وصحتهم، وإدارة عجل الاقتصاد، وهي المعضلة التي لم تجد حلا لها حتى الآن.
بالتوازي مع المشهدين الصحي والاقتصادي تبدو المراوحة في عملية الإصلاح السياسي، فالعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أوعز للحكومة بالاهتمام بهذا الملف، وإعطاء الأولوية لتعديل قانوني الانتخاب والأحزاب، وكان من المتوقع تعزيز ودعم الفريق السياسي في الحكومة، غير أن التعديل لم يحمل بصمات سياسية تُعطي زخما وقوة لمراجعة السياسات والممارسات التي تبني الديمقراطية وتصون حقوق الإنسان.
مع التعديل الوزاري يتداول الناس حوارا في برنامج نبض البلد الذي يُبث على قناة رؤيا، يقول فيه النائب السابق الدكتور محمد القطاطشة للمحاور محمد الخالدي عن آليات تشكيل الحكومات "واحد يرفع صوته بجيبوه ويرضوه، أو واحد برمي حجار على الشرطة بجيبوه، واحد ماشي في الشارع بدور على جيرانه وبجيب ولاد الخالات"، في تصريح واتهام إلى أن الحكومات تستقطب المعارض وتحتويه وتُغلق فمه، كما أنها فرصة لتنفيع الأقارب والأصدقاء ما دامت مسطرة اختيار الوزراء غائبة.
لا يُعرف إن كان رئيس الوزراء في تعديله الأخير قبل أيام هو صاحب الرأي الأول والأخير في اختيار فريقه الوزاري دونما تدخلات من المرجعتين "الديوان والمخابرات"، وبالاستناد إلى رسالة الملك الأخيرة لمدير المخابرات التي تطالبهم بالاهتمام بالعمل الأمني والاستخباري المحترف، والتوقف عن التدخل بعمل المؤسسات العامة.
التعديل الوزاري يتحمل وزره الرئيس وحده، مثلما تتحمل الحكومات تاريخيا كل الأخطاء والخطايا، وترحيلها واستبدالها كانت دائما سياسة لاحتواء الغضب والأزمات، وحماية العرش والنظام.
السؤال بعد مئوية الدولة الأردنية، هل يمكن أن تبقى آليات الحكم تُدار بهذه الطريقة والتي يُستحضر فيها كل شيء إلا السياسة؟!