الدكتور: رشيد عبّاس - كان لخطاب الدولة مكانة حقيقية عند من كانوا يسموا بالمثقفين القدامى, وعندما طويت صفحة هؤلاء المثقفين القدامى رحمهم الله, نشأت هوية جديدة مع بدايات الثمانينات من هذا القرن مظلتها الطامعين الجدد, حيث بدأ هؤلاء للأسف الشديد بالالتفاف حول خطاب الدولة, واوحى لنا هؤلاء أن خطاب الدولة رجس من عمل الشيطان, وانعكس ذلك على طريقة حياة وتفكير من حولهم.., وباتت تتعمق ثقافة الطامعين الجدد من خلال رواية صحون البلد ومساميرها, والمتفحص يجد بكل وضوح كيف تكون ردود فعل هؤلاء الطامعين الجدد اتجاه كل خطاب تقوم به الدولة, والسؤال هنا, كيف حاول هؤلاء الطامعين الجدد تشويه خطاب الدولة؟ اعتقاداُ منهم أن خطاب الدولة ينبغي أن يخضع لمصالحهم الضيقة, وليس العكس على حد زعمهم.
يبدوا أن ثقافة هؤلاء تعمقت وراثياُ خلال العقود الماضية من هذا القرن, فالفجوة ما بين خطاب الدولة, وما بين مصالح هؤلاء الطامعين الجدد اخذت بالتوارث الأبوي يوماُ بعد يوم حتى وصلنا إلى انسداد الأفق ما بين خطاب الدولة الذي ينبغي ان يُحترم من قبل الجميع , وما بين المصالح الضيقة لهؤلاء, وكان من المفترض أن تذوب وراثياُ مثل هذه الثقافة وتختفي من المجتمع خلال العقدين الماضيين,..رواية صحون البلد ومساميرها كبرت في رؤوس هؤلاء الطامعين, فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أن ثقافة شرقي وغربي..وثقافة شمالي وجنوبي ..وثقافة مسلم ومسيحي ماثلة في ذهنية هؤلاء عند كل خطاب تقوم به الدولة, ناهيك عن ثقافة المحاصصة التي يحارب من أجلها هؤلاء, وهنا أعتقد جازما أن خطاب الدولة ومنذُ البداية تراخى في جانب صحون البلد ومساميرها, حتى وصلنا إلى أيقاع نشاز في المجتمع يطرح من جديد ..ما بتعرف مين أنا؟ انا فلان أبن فلان! ولي الحق في كل شيء!
ولتقريب المشهد, يمكن لنا أن نقف عند ذهنية هؤلاء الطامعين الجدد مطولاُ في حالة تشكيل الحكومات مثلاُ, أو عند إجراء التعديلات الوزارية وما يتبع ذلك من حيثيات, فهؤلاء يعتقدوا انهم هم المتواجدين على ساحة الوطن فقط, الامر الذي اظهر نقطة في غاية الاهمية تتعلق بالفجوة الكبيرة ما بين بخطاب الدولة, وما بين مصالح هؤلاء الطامعين الجدد, وكان من الواجب ان تذوب مع الزمن فكرة صحون البلد ومساميرها أمام خطاب الدولة,..فطريقة تفكير هؤلاء ينبغي أن تخضع لخطاب الدولة,..فهؤلاء لهم طريقة خاصة في فهم خطاب الدولة؟ ولهم طريقة خاصة في تحليل خطاب الدولة, ولهم طريقة خاصة في تفسير خطاب الدولة, ولهم طريقة خاصة في تبرير خطاب الدولة.
تشكيل الحكومة الاخير كــ(خطاب دولة) نحترمه, ثم إجراء التعديل الوزاري الأخير بعد ذلك كخطاب دولة نحترمه أيضا, وما تبع ذلك من حيثيات, كل ذلك كشف للأسف الشديد المستور في طريقة تفكير الطامعين الجدد وقصور في هذا التفكير,..قصور في ذهنية فهم صحون البلد ومساميرها, مع اننا نفهم أو ينبغي أن نفهم أن مئوية الدولة الأردنية تعني أن انسجام طريقة تفكير الإنسان مع خطاب الدولة امر ضروري ومفروغ منه, فهذا الأمر من المسلمات والثوابت الوطنية لخطاب الدولة.
تغريدات الطامعين الجدد وعند تشكيل الحكومة الأخيرة كـ(خطاب دولة) والذي نُجلهُ ونحترمه دللّت على بحث هؤلاء السافر عن هوية كل وزير من منطلق صحون البلد ومساميرها : هذا شرقي وغربي.. وهذا شمالي وجنوبي.. وهذا مسلم ومسيحي, وأكثر من ذلك بدأ الطامعين الجدد للأسف الشديد البحث عن السير الذاتية الضيقة لهؤلاء الوزراء من منطلق العشيرة والعائلة الاسرة,..نعم الـ(100) عام المنقضية من عمر الدولة لم تشفع لهؤلاء أن يتساموا عن رواية صحون البلد ومساميرها المتأصلة في نفوسهم, هذه الرواية التي بات الطامعين الجدد يصّنفوا عليها الآخرين كبير, وصغير, أو يطلعلوا أو ما يطلعلوا حقيبة وزارية, ..في الوقت الذي ينبغي أن يفهم هؤلاء أن خطاب الدولة أكبر بكثير من صحون البلد ومساميرها, فصحون البلد ومساميرها كبار بأخلاقهم وليس بأنانيهم, وصحون البلد ومساميرها كبار بعملهم وعلمهم وجدهم واجتهادهم وليس بوراثتهم الابوية, ..وصحون البلد ومساميرها هي شرقية وغربية.. وشمالية وجنوبية, ..وصحون البلد ومساميرها إسلامية ومسيحية, فكل هؤلاء هم صحون للبلد ومساميرها في خطاب الدولة.
الصورة الأكثر سلباُ والتي تدعو الى مزيد من القلق, ما هو موجود في ذهنية الطامعين الجدد والمتعلقة بثقافة صحون البلد ومساميرها والمتعلقة باعتقادهم وثقافاتهم الابوية الغريبة العجيبة, حيث يعتقد هؤلاء انهم فوق خطاب الدولة, وهم خارج قانون التقاعد المدني أو العسكري, وهم خارج قانون المساءلة القانونية, وهم خارج قانون الاستقالة أو الإقالة, وأكثر من ذلك اعتقادهم الابدي وبالوراثة انهم صحون ومساميرها أبدية, وأن غيرهم يبقوا صغاراُ لا يكبروا ولا ينموا ويبقوا على هيئة محارم سفرة مدى الحياة على حد اعتقاداتهم العرجاء.
كان يفترض على مئوية الدولة الأردنية الأولى ومنذُ البداية فكفكة هذه الصحون والمسامير ووضعها على الرف, لتنسجم مع (خطاب الدولة) من جديد, فخطاب الدولة فوق كل خطاب, وأن نوتة الطبل..لا ينبغي أن تكون أعلى من نوتة القانون...
وبعد,,
الطامعين الجدد أو ما يسموا انفسهم بصون البلد ومساميرها طبقة رابعة في المجتمع تعتقد انها لا تخضع لقانون نيوتن للجاذبية.., ورثت من الآباء ذهنية العربة الأولى في القطار.., تحاول القفز على خطاب الدولة.., لكن خطاب الدولة هذه المرة والذي نشد على يديه كان الأقوى في و(ضعهم) في العربة المناسبة لهم.., والأجمل من كل هذا وذاك, أن عربات خطاب الدولة تسير بجاذبية جديدة.