زاد الاردن الاخباري -
طارق ديلواني- غاب الصخب الذي كان السمة الأبرز للشوارع والأزقة في المدن العربية، مع هجر الباعة المتجولين وأصحاب العربات المتنقلة الشوارع التي أضحت في زمن كورونا بلا حياة، بسبب إجراءات حظر التجول والحجر الصحي، وبات من النادر أن نشاهد من يوقظون المدن يومياً من بائعي "غزل البنات"، وعربات الذرة المشوية، والكستناء، والكعك، والبيض، والفول، بفعل القيود التي فرضتها تدابير مواجهة الجائحة، وأصبح المواطنون أكثر حرصاً وحيطة في ما يخص شراء طعام الشارع، فضلاً عن ساعات العمل والتجول المحدودة.
فئة متضررة
تعد فئة البائعين المتجولين من الفئات التي تضررت كثيراً في زمن كورونا، وأصبحت هذه الظاهرة غاية كثير من الباحثين عن لقمة العيش في ظل تفاقم البطالة والفقر والأزمات الاقتصادية في العالم العربي.
وخلافاً للأسواق التقليدية، يصعب فرض الضوابط الصحية على بائعي الطرقات، وتختلف بضائعهم من دولة إلى أخرى، ففي العراق يشتهر باعة "الشلغم" (اللفت)، أو "عربنجي"، بينما يشتهر باعة الفول في مصر، وفي الأردن، انتشرت ظاهرة الباعة المتجولين بشكل رئيس في عام 1997، وسط العاصمة عمان، وأصبحت لاحقاً عنواناً للصدام مع الأجهزة الأمنية والسلطات.
وحال الأردن كحال باقي الدول العربية، حيث لا توجد أرقام دقيقة تحصر الباعة المتجولين، لكن ثمة ما قد يشير إلى حجمهم، إذ سجلت سلطات حظر البيع العشوائي في عام 2019 أكثر من 55 ألف حالة مداهمة.
اقتصاد البسطات
ثمة اقتصاد كبير قائم على "البسطات" والعربات، والبيع في الشارع عبر التجول من مكان لآخر، وهو اليوم جزء من منظومة ضخمة تعرف باسم "الاقتصاد الخفي"، وقوامها مليارات الدولارات في العالم العربي.
ويرى الباحث والكاتب أحمد أبو خليل أن ظاهرة الباعة المتجولين ظاهرة مدينية في عالمنا العربي، لكنها انتقلت للقرى والأرياف، ولا توجد إحصاءات دقيقة حولها، لكن ثمة تقديرات تقول بوجود نحو 11 مليون شخص في مصر، ونحو مليونين في المغرب، على سبيل المثال، غير أنها مهنة مظلومة في الإعلام باعتبارها تشكل اعتداءً على الشارع، وثمة من يرى فيها مهنة غير حضارية تسيء للمشهد العام.
يضيف أبو خليل "يندرج هذا النوع من العمل في سياق ما صار يعرف في الأدبيات الاقتصادية بقطاع "التوظيف الذاتي"، وهو يمثل أحد أبرز مظاهر فشل وعجز الحكومات العربية عن التوظيف واستيعاب قوى العمل".
مهنة أجيال متعاقبة
وثمة عائلات، عبر أجيال متعاقبة، تعمل في هذه المهنة التي لا تقوم على حسابات جدوى، ولا ميزانيات، لكنها تطعم أسراً بأكملها، وتتجاوز كل التحولات الاقتصادية والعمرانية.
وهناك مثلاً "الحاجة أم أحمد" التي اعتادت أن تبيع البقوليات والخضراوات، أمام بوابة أحد أشهر البنوك الأردنية في العاصمة عمان، لكنها بالكاد توجد في المكان ذاته مرتين في الأسبوع بفعل ما فرضته الجائحة من تحديات، بينما قلت كثيراً أصوات الباعة المتجولين بحافلات النقل الصغيرة في الأزقة والضواحي، التي يبيع أصحابها الخضراوات والفواكه الطازجة، وغاب آخرون عن أماكن تجمعهم عند المساجد بعد صلاة كل جمعة.
بين كورونا والمشهد الحضاري
ولا تقتصر أسباب تراجع ظاهرة الباعة المتجولين على كورونا، فكثيراً ما يتم طرح فكرة "المشهد الحضاري"، أو الإضرار بالسياحة، ما يضطر السلطات إلى التعامل يومياً مع آلاف الباعة المتجولين كخارجين عن القانون، في حين تغلبت دول غربية على هذه الظاهرة من خلال تنظيمها، وتوفير أماكن خاصة لهؤلاء الباعة.
وتتنوع مبيعات هؤلاء، الذين قد يضطرون لاستئجار عرباتهم، بين الشاي والقهوة والمأكولات الشتوية، فضلاً عن الخضراوات والمعجنات والبضائع زهيدة الثمن.
وثمة عالم خفي للبسطات والبيع المتجول، إذ يسيطر البعض على مناطق بعينها، ويمنع الآخرون من البيع فيها، وثمة عربات يتناوب عليها أكثر من شخص، واللافت أن الإناث دخلن هذا الميدان أيضاً.
ويدعو اقتصاديون الحكومات إلى تنظيم هذه المهنة، بديلاً عن محاربتها، وخاصة أن القائمين عليها يسهمون في توفير سلع منخفضة التكاليف للمستهلك والفئات الفقيرة.
"انديبنت عربية"