كان التأكيد منذ السابق على أن التسعير القطاعي للمشتقات النفطية ربما يكون أكثر عدالة وتحقيقاً للواقع ، وهو يعني أن كل فرد معني بدفع تكلفة استخدامه لهذه السلع ، ولا يجوز أن يدفع الشعب تكاليف استهلاك القطاع الخاص ورجال الأعمال من السلع التي تعد بمثابة نادرة ومدعومة من قبل الحكومة .
وبالرغم من الظروف والأسباب السابقة التي كانت تنادي بهذا الشكل من التسعير ، إلا أنه برز سبب أساسي وهو عدم رغبة الحكومة في وضع نفسها في حرج أمام الشعب ، قد تعمل من خلاله على التضييق المعيشي على المواطنين بصورة أكثر .
نتمنى أن لا تكون هذه الحالة عارضة تنتهي بمجرد زوال السبب ، ولكن كلنا أمل بأن يتبعها سلسلة من الأسعار القطاعية على مجموعة أخرى من السلع التي تستهلكها القطاعات غير العائلية : كالعمالة الوافدة ، ورجال الأعمال ، والفاسدين ، والهاربين من حكم القانون والشعب ، وتستفيد من الدعم الحكومي لها وعلى سبيل المثال الغاز ، والاسمنت ، والحديد ، وحتى نسبة الضرائب المفروضة على البنوك ، يجب أن يكون هناك إعادة توزيع لها لصالح الفئات الفقيرة والأقل حظاً ، أو حتى لصالح الخزينة لردم العجز من جيوب المستحقين .
الاقتصاد الأردني وفعالياته الاقتصادية بحاجة إلى المتابعة ، والإطلاع المستمر على مصادر ارتفاع أسعار السلع الأساسية ومنها الغذائية كالأرز والقمح مثلاً ، ومحاولة التنبؤ المستمر بها لمعرفة تداعياتها على الفعاليات الاقتصادية المحلية ، والتخفيف من أي عوارض مستقبلية تحدث لها قبل وقوع الارتفاع ، كما حصل في موضوع الغاز المصري ، وهذا يبرز الحديث عن موضوع غياب الاستراتيجيات الوطنية الأمنية في مجال المحافظة على مخزون استراتيجي من السلع المهمة والضرورية للدولة .
هنا نحتاج إلى وجود مرصد حكومي لمتابعة التغيرات في الأسعار الدولية على مجموعة السلع الأساسية ، ومن خلالها يتم تقييم حجم الارتفاعات السعرية التي تطرأ على الأسعار المحلية ، ومن خلالها يتم الحكم على موضوعية أو عدم موضوعية مقدار الارتفاع في أسعار التجزئة المحلية ومدى مناسبتها للتغيرات الدولية .
وهنا اعتقد أن فكرة ترك التقديرات السعرية لصالح دراسات جمعية حماية المستهلك ، سلطة في غير مكانها وتحتاج إلى الدعم الحكومي عبر المزيد من القوانين والتشريعات والإجراءات ، ويجب النظر إلى أن التسعير وظيفة مؤسسية ، وليس النظر إليها كسلوك عارض يتحكم به التاجر أو المستورد أو العامل الوافد ، وهو ذات الأمر الذي ينطبق على المؤسسات الاستهلاكية الحكومية العسكرية والمدنية .
يجب على لجنة الحوار الاقتصادي الاهتمام بموضوع التغيرات السعرية وإعطاءه المزيد من الاهتمام والرعاية في نقاشاتها ، وكذلك عدم الخلط بين التدخل السعري لغاية حماية صغار المستهلكين والفقراء منهم ، وبين آلية السوق التي لا تمانع من تلك التدخلات وفق آليات وشروط معينة لا تفسد مضمونها .
الدكتور إياد عبد الفتاح النسور
Nsour_2005@yahoo.com