كتب : فتحي الحمود - بدأنا نسمع عن مستجدات جديدة على ساحة الوطن لا علاقة لها بالسياسة ولكنها أخلاقية . هذا الشيء دفعني لمعاودة الكتابة وأنا أشعر بحرقة وأسى على هذا الحال الذي وصلنا إليه !!!!
من المعروف في علم الإجتماع ...بأنه وفي أي مجتمع صغر أم كبر وفي ظل تداعيات إقتصادية قاسية ...فإن الوهن والضعف والسوء يصيب القيم والعادات والأخلاق والسلوك العام في مقتل !!!
وبالتالي فإنه يصعب إصلاح ما فسد فيه ...وهذا ما يخيفني ويرعبني حقيقة لعدة أسباب ...أولا أنا مواطن عربي أردني مسلم أحب بلدي ...وثانيهما أنني أب وجد معا .
لقد عرف عن المجتمع الأردني لسنوات عديدة ميله للتدين , والمحافظة على العادات والتقاليد , ومنظومة القيم التربوية المنزلية والمدرسية والجامعية المبنية على أساس الدين , مسلمين ومسيحيين , والأصالة العربية .
إلا انه بات واضحا أننا في هذا البلد الصغير نسبيا بدأنا نفقد الكثير مما ذكرت آنفا لأسباب عديدة ومختلفة ومتفاوتة من جيل إلى جيل , ومن طبقة إجتماعية إلى طبقة أخرى , سواء أكانت أقل مستوى أو أعلى طبعا ويتشارك مع المستوى الإجتماعي المستوى الإقتصادي حتما .
والشيء الملفت للنظر في مجتمع كانت تتساوى فيه الطبقات إلا بفروق تكاد لاتذكر ولا نشعر بها ...أن الفجوة آخذة بالإتساع مما احدث خللا ما , وتسبب في " خلخلة " إجتماعية تشابه الهزة الإرتدادية للهزات الأرضية الطبيعية . فمداخيل الأفراد على إختلاف مشاربهم لا تتناسب مع حجم مصروفاتهم اليومية وعلى الأخص مع موجة تسو نامي الأسعار التي لا تجد ضابطا لها ...ولقد قامت وزارة الصناعة والتجارة برفع يدها عن هذه المسألة إمتثالا لرأي سيدهم وعرابهم في الإقتصاد " آدم سميث " منظر الرأسمالية , وإقتصاد السوق ...وغيرها من التسميات المقيتة .
إذن فإن تأمين الحد الأدنى من عيش كريم أو كاف ...أصبح بحاجة لمداخيل زائدة هي غير الراتب الشهري للموظف أو العامل من الجنسين ...فما العمل إذن؟؟؟.
خلال دوراتي الشرطية العديدة في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية وخلال التحقيق الذي كنت أجريه مع المومسات ( مثلا ) في نيويورك أو لندن أو فرانكفورت , أو بروكسل ...عن سبب قيامهن ببيع أجسادهن مقابل حفنة صغيرة من الدولارات ...كانت الإجابة دائما : " الراتب الشهري لا يكفيني للعيش الكريم ...وشراء السجائر والمخدرات والملابس " ... علما بأن معظمهن جامعيات ويعملن بوظائف محترمة خلال ساعات النهار .
إذن : الراتب وحده لا يكفي !!!!
فما بالكم إذا كان الراتب في بلدنا الأردن لا يكفي لدفع الفواتير الرئيسة وحدها ؟؟؟. وكيف السبيل لتأمين باقي متطلبات الحياة من مسكن وطعام وشراب ولباس وأقساط سيارات ومدارس وجامعات وووووو وألف و بعدها ؟؟؟
لو فكر 4 أصدقاء بالذهب مرة واحدة أسبوعيا لإحتساء فنجان قهوة في إحدى مقاهي عمان الراقية – وهذا من حقهم – وكنا نفعلها ونحن في سنهم ...فإن كلفة الشخص الواحد لن تقل عن 50 دينارا أو يزيد .
ذهبت اليوم إلى مركزين تجاريين وكنت أبحث عن حقائب سفر ...صدقوني أن الناس كانت في المكانين مثل يوم الحشر ...والسيارات الفارهة تملأ الكراجات حتى أنك لا تجد مكانا إلا بصعوبة بالغة ...الناس في كل الزوايا بحثا عن شيء من بضاعة من الدرجة العاشرة ومما ترميه الصين علينا , و ما تتلفه دول الشمال ...بضاعة " الماركات " ...هذه أسعارها خيالية !!!!
6 حبات من التفاح غير المستورد ب 2.4 دينار ...أي أن الحبة الواحدة ب 400 فلس أردني ...يا بلاش ...كيلو التمر ب 10.450 دينار ...أي أن التمرة الواحدة ب 250 فلسا ...وهذا غيض من فيض أسعار تدفع الناس دفعا نحو الإنحراف ....نسيت أن أذكر بأن كغم اللحم البلدي ب 11 دينارا .
30% من الشعب الأردني مصابون بأمراض مزمنة وعلى رأسها ضغط الدم المرتفع , السكري , إرتفاع نسبة الدهون بالدم , ومثلهم ويزيد مصاب بأمراض الروماتزم والحساسية وغيرها ...وهذه تحتاج لتناول أدوية مدى الحياة ...ولو دخلنا في موسوعة كشوفات الأطباء وأسعار المختبرات والعيادات والأدوية فإننا بحاجة لمجلدات وخاصة إذا ما أبتلي الواحد منا بمستشفى خاص !!!!
سمعت اليوم القصة التالية : " زوجة سفير اسبق من اقربائي قررت ان تقوم بترقيع احدى السجاجيد في منزلها...فأخذت السجادة إلى إحدى محلات بيع السجاد معتقدة أنها ستستقبل بالترحاب من قبل ذلك المحل على إعتبار بأن تلك العملية الجراحية لسجادتها ستكلفها 10 % من راتب زوجها التقاعدي !!! .
وبينما هي تتفاوض مع صاحب المحل وإذا بسيدة من جنسية عربية مجاورة لنا تدخل المكان ...وتطلب من صاحب المحل شراء 7 سجاجيد وقامت بالتأشير عليها ...قائلة : أريد هذه وتلك وهذه وتلك ...حتى وصل العدد ل 7 . سألته عن ثمنها مجتمعة ...فكتب السعر على ورقة لأنه مبلغ كبير وخاف ان يحرجها معتقدا بانه قد تورطت بهذا العدد . ذهبت السيدة العربية الى سيارتها فتحت الصندوق الخلفي فتحت حقيبة تناولت منها قيمة السجادات ال 7 . اعطته القيمة والعنوان وطلبت منه ارسالها للعنوان المذكور .
وبعد أن إنتهت ...نظر التاجر إلى صاحبتنا التي جاءت لإصلاح سجادتها مبتسما وكأنه يقول لها : آسف فأنا لا أصلح القديم !!!!
خرجت زوجة السفير كسيرة الخاطر تلعن اليوم الذي فكرت فيه باصلاح سجادتها . هذه السيدة الذي اصبح زوجها سفيرا في بلدين كان يحمل رتبة عميد بالقوات المسلحة الاردنية في العام 1956 وكان يقود سلاحا من أهم الأسلحة آنذاك ...إلتحق بالخدمة في العام 1938 فقط لاغير !!!!!
إذن نحن الآن في مواجهة مع شكل جديد للمجتمع الأردني بجميع مكوناته خاصة وأن مئات الألاف من جنسية السيدة العربية موجودون في بلدنا منذ العام 2003 . وجميعنا سمعنا عن عمليات غسيل الأموال التي تمت منذ ذلك التاريخ وبالتعاون والمشاركة مع مسؤولين أردنيين رفيعي المستوى ...وسمعنا أن جواز السفر والتجنيس كان يكلف صاحبه مليون دينار ذهبت لجيوب البعض !!!!
هذا التناقض الإجتماعي والقفزات غير المنطقية خلقت طبقات جديدة في مجتمعنا الأردني ...فبات الأردني يشعر بأنه غريب في وطنه !!! . وبدأ بالتساؤل : ما الذي يمكنني عمله لمجارات هذه المتغيرات في مجتمعي؟.
ولو قمنا بإضافة عوامل جديدة أثرت في أخلاقنا وسلوكنا وعلى رأسها الفضائيات وهي بالألاف وما تحويه , وإنتشار ثقافة الإنترنت وما فيه من إيجابيات وسلبيات وتأثيرها على الشباب من الجنسين وعلى الأخص المراهقين منهم ...وإنتشرت أيضا المدارس الخاصة التي تدرس المناهج الغربية والغريبة عن مجتمعنا دينا وقيما و سلوكا ...فهذه الفئات العمرية يبهرها كل ماهو جديد وحديث وغريب !!!!
خلاصة القول :
ثمة شعور لدي اننا فقدنا السيطرة على زمام الامور واننا نسير في طريق التهلكة الاخلاقية والقيمية , وأصبح البون واسعا بين الاجيال !!!
وهذا يوصلني الى انه لا احد يملك حلا ولا جوابا وافيا للخروج من نفق ضيق دخلناه لا يسمح بالعودة الى الوراء مهما حاولنا . وسؤال محير آخر وهو : كيف سيكون مستقبل الاجيال القادمة في وطني واين سيكون موقعهم من الدين والقيم والعادات والتقاليد ؟؟؟
أم أنهم لا يكترثون ولن يكترثوا ...حتى ان الحديث في هذا الموضوع اصبح عبثيا ولا طائل منه ؟؟؟
وبذلك اكون قد اتعبت نفسي واتعبتكم معي ...ولربما أن بعضا من شباب الفيس بوك وغيرهم من شباب المجمعات التجارية واولاد الشوارع قد وقع مغشيا عليه من الضحك والإستهجان والإستغراب ولسان حاله يقول : ما الذي يقوله هذا الشيخ العجوز ...أو لا يشاهد ستار أكاديمي 8 ؟؟؟