زاد الاردن الاخباري -
كتب : عمرو سالم - ليبيا البلد الآمن الغني بالنفط والثروات الذي كان شعبه يعيش حياة تسودها رفاهية ورخاء، بات الآن بمجرد لفظ اسم هذا البلد الإفريقي أمام أحد الأشخاص لتقفز إلى ذهنه صور الخراب والدمار والمجموعات المسلحة والإعدام الوحشي للأبرياء.
هذا الانطباع لم يأتي من العدم، بل بسبب العمل الإرهابي الممنهج وغير المسبوق الذي ارتكبه عناصر تنظيم داعش الإرهابي المحظور في العديد من الدول منها روسيا.
وعلى الرغم من قباحة هذا التصور إلا إنه أصبح واقعاً مروعاً يجسد حقيقة ما آلت إليه الأوضاع السياسية والأمنية في ليبيا في الآونة الأخيرة.
فبعد الإطاحة بنظام الراحل معمر القذافي عام 2011، على أيدي مجموعات مسلحة مختلفة، وبقصف ممنهك من قبل الطيران الحربي الأوروبي المتمثل بقوات "الناتو"، تم تدمير ليبيا بشكل كامل تقريباً وتم التخلي عنها لتكون لعبة بين أيدي الإرهابيين والقوات الأجنبية المختلفة التي دخلت البلاد تحت ذرائع مختلفة، أدت بنهاية المطاف إلى انقسام حاد في الداخل الليبي.
لتتوالى بعدها، تصريحات السياسيين الغربيين، التي وجهت اتهامات إلى روسيا بتقديم الدعم إلى كلٍ من ابن الراحل معمر القذافي سيف الإسلام، وقائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر.
إلا أن روسيا ومنذ بداية الصراع الليبي انتهجت "موقفاً تقريبياً بنفس القدر فيما يتعلق بجميع أطراف النزاع"، وفق ما تمت الإشارة إليه في المقابلة التي أجراها رئيس مجموعة الاتصال الروسية حول التسوية بين الليبيين في وزارة الخارجية الروسية مع صحيفة Gazeta.Ru الروسية.
وبلا شك أن لدى موسكو نية حقيقية في بسط الاستقرار في عموم الأراضي الليبية، وهذا معروف من خلال السياسة التي تنتهجها روسيا في الشرق الأوسط بالابتعاد عن الحروب والنزاعات وحل المسائل بالطرق السلمية.
فبفضل مشاركة روسيا في وضع حد للنزاع الليبي، انطلقت بالفعل العملية السياسية لتحقيق الاستقرار في ليبيا، وكان الجانب الروسي هو الذي أصر على مشاركة ممثلين عن الجيش الوطني الليبي وآخرون يمثلون حكومة الوفاق الوطني، في مؤتمر برلين، هذا بالإضافة إلى مساهمة تركيا بالمفاوضات الأولى في موسكو.
لتحصل الحكومة بنهاية المطاف، على موافقة البرلمان في 10 مارس الجاري، ليتم تشكيل حكومة الوفاق الوطني.
حيث أفادت الخدمة الصحفية بوزارة الخارجية الروسية، أن الوزارة "قيّمت بشكل إيجابي قرار مجلس النواب الليبي الذي وافق على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية".
وقالت الوزارة، في بيان لها، إن "ليبيا كانت وستظل شريكاً مهماً لروسيا في شمال إفريقيا. تركز الدولتان على تطوير الاتصالات السياسية والاستعادة المبكرة للتعاون الثنائي على مستوى عالٍ، بما في ذلك المجالات الاقتصادية والعسكرية والتقنية والإنسانية".
وأضاف البيان، أن "المهام الرئيسية للحكومة الليبية يجب أن تكون تطبيع الوضع في البلاد وتشكيل سلطات موحدة".
يذكر أن روسيا وليبيا تربطهما علاقة تاريخية طويلة الأمد، ترجع إلى أيام الاتحاد السوفيتي منذ عام 1955، وهذا ما يفسر اهتمام موسكو بتسوية مبكرة للعملية السياسية في ليبيا.
وتطورت العلاقات بعد الانقلاب الثوري في ليبيا ووصول معمر القذافي إلى السلطة في 1 سبتمبر 1969، واعتراف الاتحاد السوفيتي (وهو أول دولة تعترف بالنظام الجديد)، بالنظام الجمهوري الجديد، لتعلن بعد ذلك، القيادة الليبية برئاسة القذافي، على الفور رغبتها في تطوير التعاون مع الاتحاد السوفياتي في جميع المجالات، لتصبح السنوات التالية فترة مكثفة من العلاقات السياسية والتجارية والاقتصادية والثقافية وغيرها بين الدولتين.
وبلا شك أن الاتحاد السوفياتي، ثم روسيا لاحقاً، لعب دوراً مهماً في تطوير صناعات النفط والغاز في ليبيا، في مجالات التعدين والطاقة الكهرومائية، وتطوير خطوط النقل في الجمهورية الليبية وغيرها من المجالات الصناعية والاقتصادية والإنسانية.
وذكر المتخصصون الروس الذين عملوا في ليبيا، في ذلك الوقت إلى ارتفاع مستوى معيشة الشعب الليبي والدعم الكبير الذي تقدمه الدولة الليبية لمواطنيها آنذاك.
وكان من الواضح أن الدخل من صناعة النفط ينفق على سكان البلاد، وهذا ما يمكن سماعه من الأجانب الذين زاروا ليبيا.
بالإضافة إلى احتواء ليبيا على أغنى حقول النفط بالمنطقة، فهي تحوي مورداً آخر غاية في الأهمي، وهو أن لديها أربع بحيرات تحت الأرض في أعماق رمال الصحراء.
وفي ثمانينيات القرن الماضي، عمل زعيم الثورة الليبية معمر القذافي على تطوير مشروع طموح للبنية التحتية، واستعان المهندسون الليبيون، على وجه الخصوص، بالتقنيات الروسية، لمد آلاف الكيلومترات بخطوط الأنابيب، ونقل الكميات الهائلة من المياه الجوفية إلى الأراضي الزراعية الخصبة والكثافة العليا بالسكان في شمال البلاد من أجل تزويد المواطنين بمياه الشرب والمياه الصالحة للزراعة لتحويل الصحراء إلى مخزن الحبوب في كل أفريقيا.
وأطلق القذافي آنذاك، على هذا المشروع اسم "النهر الصناعي العظيم" ووصفه بـ"ثامن العجائب" في العالم، بينما أطلق عليه الإعلام الغربي اسم "نهر المجنون العظيم".
أفكار جنونية كانت لدى الراحل معمر القذافي، يراها البعض، فيما يرون آخرون أنها أفكار بناءة تنهض بالشعب الليبي حتى لو كانت مكلفة وصعبة المنال.
أما في الوقت الراهن، فالعالم يتساءل هل الحكومة الليبية الجديدة ستصبح "نهراً من صنع الإنسان"، تنبض بالحياة لكافة الشعب الليبي، أما نهراً من الأزمات والصراعات العسكرية؟