لمحته يصطف على طابور الكازية ، يحمل \" جركنه \" وينتظر دوره شارد الذهن ، مهموم الخاطر ، تبدو على محياه معالم الهم والحزن ، ونظراته شبه مكسوره ، لم تلفت انتباهي هذه الأمور - فأنا معتاد عليها - ، بقدر ما لفت انتباهي انحناء ظهره ، فقد بدا لي هذه المرة محنيا اكثر مما قبل .
رميت السلام عليه وصففت بدوري على طابور الكاز ، منتظرا دوري ، سار الطابور ببطء ومازالت عيناي معلقة على ظهر أبو صابر ، ثمة شيء غريب ، فمعالم ازدياد انحناء ظهره تتجلى لي اكثر ؟؟! .
وصل الدور عند أبو صابر فعبأ \" جركنه \" وتكرم بانتظاري الى ان ياتي دوري لنغادر سويا في رفقة الرجوع الى المنزل .
ما زلت مذهولا من انحناءة ظهره ومنشغلا بالتفكير فيها ، وكثيرا ما كنت احاول أن أسئله عن سبب تلك الانحناءة الزائدة ، لكني كنت اخاف من احراجه او مضايقته ، فأجهض السؤال في داخلي ، حتى اذا ما أستثارني الموقف ، وغزاني الفضول ، جمعت قوتي وقلت له :
( والله سلامات يا ابو صابر شو مال ظهرك ، ليكون \" الجركن \" ثقيل عليك ، توخذ هذا أخفلك ) .
تنهد أبو صابر تنهيدة عميقة وقال :
( أأأأأأه .... يا ريت لو انها جاية من \" الجركن \" كان ارحم ، بس المشكلة انها اشي رسوم واشي ضرائب واشي مش عارف ايش ، واشي ارتفاع أسعار واشي طلبات واشي مدارس واشي مصروف ، غصبن عنها بدها تهد الظهر ، هاظ وكيف لما يرفعوا الدعم عن الغاز ، ويغلوا الأسعار كمان وكمان ، شو بدي اقلك تأقلك \" الله يجيرنا \" .
المحامي خلدون محمد الرواشدة
khaldon00f@yahoo.com