زاد الاردن الاخباري -
في حي الشيخ جراح في مدينة القدس المحتلة، نضال فلسطيني يومي للدفاع عن حق الوجود والبقاء في هذه المنطقة المهددة بالإخلاء خلال أقل من شهرين، وهي معركة يصرّ الأهالي على مواصلتها لمواجهة الهجمة الاستيطانية الشرسة ضدهم، فيما يتعامل الاحتلال مع وجود المقدسيين كشيء مؤقت.
وبينما يرفع الأهالي الصوت عسى أن تلقى صرختهم استجابة دولية بما في ذلك إطلاقهم حملة "أنقذوا حي الشيخ جراح" على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، يوم الإثنين الماضي، يبدو أن وثيقة رسمية أردنية واحدة تحمل ترويس المملكة الأردنية الهاشمية وختم مؤسساتها الرسمية إلى جانب تدخل مباشر من الملك عبد الله الثاني والإلقاء بثقله في هذا الضغط كفيلان بإنقاذ بيوت الحي وقاطنيها.
وبينما يطالب الأهالي الأردن بتقديم الوثيقة الرسمية التي تؤكد ملكيتهم للمنازل التي يعيشون بها، تؤكد عمّان أن جميع الوثائق المتوفرة لديها تم تقديمها للسلطة الفلسطينية ليبقى الخطر يلاحق الأهالي بشكل يومي.
ومن بين هؤلاء الشابة المقدسية منى الكرد، التي لم تتردد في القول "أنا انخلقت في هذا البيت، ساعدونا يا ناس، ما ضل إلنا غيركم، هاي رسالتنا الأخيرة لكم حتى تمنعوهم يستولوا على بيتنا..."، وذلك خلال حديثها بحرقة شديدة مع "العربي الجديد"، عن الخطر المحدق بمنزل عائلتها ومنازل عائلات أخرى في حي الشيخ جراح، كانت محكمة إسرائيلية قد أصدرت قراراً بإخلائها وأمهلت ساكنيها حتى الثاني من أيار المقبل، لتنفيذ القرار الذي يطاول هذه العائلات ويربو عدد أفرادها على 500 نسمة ليحل مكانهم مستوطنون.
وأصدرت محكمة الاحتلال المركزية عدة قرارات بشأن إخلاء عائلات مقدسية تقطن حي الشيخ جراح خلال الأشهر المقبلة، ورفضت استئنافات قُدّمت لها. وعلى الرغم من مرور أكثر من أربعة عقود على القضية، إلا أن محاكم الاحتلال لم تناقش ملكية الأرض بل اكتفت بوثيقة تقدّمت بها الجمعيات الاستيطانية، وثبت عدم وجود أي أصل لها في الأرشيف العثماني، تدعي من خلالها تسجيل وملكية الأرض في العام 1972، وبررت المحاكم حكمها لصالح الجمعيات الاستيطانية بحجة التقادم.
وبالنسبة ليعقوب أبو عرفة، عضو لجنة الدفاع عن حي الشيخ جراح، وأحد أصحاب المنازل المهددة بالإخلاء، فإن صراع العائلات مع المستوطنين دخل هذه الأيام عامه التاسع والأربعين، وهو جزء لا يتجزأ من قضية القدس وفلسطين عامة. يقول أبو عرفة لـ"العربي الجديد": "ما يعاني منه أهالي الشيخ جراح يعاني منه أيضاً أهالي بلدة سلوان، وأحياء وادي الربابة والبستان وواد الجوز، وما يطلق عليه الاحتلال منطقة الحوض المقدس التي تحيط بكامل البلدة القديمة من القدس، وينوون الاستيلاء على جميع هذه المناطق وإقامة مشاريع خاصة، كالحديقة التوراتية في سلوان، ومشروع وادي السيلكون في واد الجوز".
ويؤكد أبو عرفة أن قضية حي الشيخ جراح هي قضية قانونية بحتة، وأنها مستمرة في المحاكم منذ تسعة وأربعين عاماً بدأت منذ العام 1972، حين ادعى المستوطنون ملكيتهم للأرض التي أقيمت عليها منازل الحي عام 1954، و"الاحتلال لا يريد البحث في ملكية الأرض، لأن المستوطنين لم يثبتوا حتى اللحظة ملكيتهم لتلك الأرض بشكل فعلي، وهناك الكثير من الأوراق والمستندات والإثباتات لدى محامينا التي تؤكد عدم ملكيتهم المزعومة للأرض". ويتابع "الاحتلال يتعامل مع المقدسيين عموماً كوجود مؤقت، مع العلم أن سكان حي الشيخ جراح يملكون بيوتاً في حيفا ويافا وفي القدس الغربية المحتلة، لكنهم ممنوعون من المطالبة بممتلكاتهم هناك، بموجب قانون جائر وقرار لقاضٍ إسرائيلي في العام 1948، لسد الطريق أمام سكان القدس الشرقية للمطالبة بممتلكاتهم داخل فلسطين المحتلة عام 1948، وقرر أنه يجب تعويض اليهود عما سماه ممتلكاتهم في القدس الشرقية ضمن حدود عام 1967". وبشأن القضاء الإسرائيلي، يشير أبو عرفة إلى أن "قرارات المحاكم الإسرائيلية تكون جاهزة، ونشعر خلال وجودنا في هذه المحاكم أن غريمنا الأساس هو القاضي، وللأسف الشديد فإن قضاة هذه المحاكم هم مستوطنون يقاتلون لتهويد القدس أكثر من محامي المستوطنين"، مضيفاً "لدينا اليوم بارقة أمل صغيرة، أن نتوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية ونفكر جدياً بخوض هذه التجربة".
وتثير الوثائق التي سُلّمت من قبل السلطات الأردنية إلى السفارة الفلسطينية في عمّان، ومنها إلى وزارة الخارجية وشؤون المغتربين الفلسطينية، جدلاً بين المواطنين المقدسيين، خصوصاً أن ما سُلّم من وثائق لا يفي بالغرض المطلوب منها، ولا يؤكد رسمياً ملكية عائلات حي الشيخ جراح لبيوتها، وبالتالي كانت المطالبة بوثيقة رسمية معتمدة تحمل ترويس المملكة الأردنية ومؤسساتها الرسمية ويمكن استخدامها في المحكمة لإبراز حق هذه العائلات، علماً أن محاكم الاحتلال كانت قد رفضت اعتماد أوراق قُدّمت إليها من دون ما يشير إلى أنها رسمية، واعتبرتها بلا قيمة. من هنا، كان الضغط للحصول على الوثيقة الرسمية الأردنية باعتبار أن المملكة الأردنية كانت طرفاً رسمياً في الاتفاقية الموقّعة مع وكالة الغوث (الأونروا) والتي بموجبها مُنحت هذه العائلات بيوتها مقابل تخليها عن بطاقات المؤن وما تقدمه هذه البطاقات من خدمات للاجئين.
يقول صالح ذياب، وهو من سكان الحي المهددين بالإخلاء، في حديث لـ"العربي الجديد": "توجّهنا عدة مرات بطلبات إلى الحكومة الأردنية لتزويدنا بما لديها من وثائق رسمية معتمدة تعترف بها المحاكم، لكنها كانت دوماً تماطل في الرد على طلباتنا، وقد علمنا من أحد المسؤولين في الحكومة الأردنية من خلال اتصال أجراه مع أحد محامينا بأن أحداً لم يتوجه لهم بطلب حول طبيعة الأوراق التي يريدها سكان الحي، في حين كان رد المحامي على هذا المسؤول بأن طاقم المحامين أرسل تسعة طلبات ووعدت السلطات الأردنية بإرسالها، ولكن هذا لم يحدث". ويتابع دياب: "نحن اليوم نطلب من الحكومة الأردنية ومن العاهل الأردني تحديداً دعمنا في هذه القضية، لأن قضيتنا سياسية وإنسانية في آن واحد، ولا بد من ممارسة ضغوط على الحكومة الإسرائيلية لوقف تهجير المقدسيين".
وكانت حملة "أنقذوا الشيخ جراح" قد طالبت وزارة الخارجية الفلسطينية بالكشف عن الوثائق التي قالت الحكومة الأردنية إنها سلمتها للسفارة الفلسطينية في عمّان، ولم يتم إبلاغ سكان الحي بها لاستخدامها في المحاكم الإسرائيلية. وتقول مصادر خاصة، لـ"العربي الجديد"، إن ما قُدّم من وثائق من قِبل الجانب الأردني حتى الآن لا يفي بالغرض المنشود الذي يمكنه أن يساعد سكان الحي على إنقاذ منازلهم، وأن مثل هذه الوثائق موجودة أصلاً لدى محامي العائلات المهددة بالإخلاء، لكن الوثيقة الأساسية الرسمية التي يطالب بها سكان الحي لم يتم الحصول عليها. وتشير المصادر إلى أن جهات أمنية أردنية تعارض تقديم تلك الوثيقة لدواعٍ لم تسمها، علماً أن الأوراق التي بحوزة السكان لا تشتمل على أي "ترويسة رسمية" صادرة عن السلطات الأردنية، وكان ذلك سبباً في رفض المحاكم الإسرائيلية لها.