بعد فاجعة مستشفى السلط تكسرت أشياء كثيرة من الصعب إصلاحها وأولها ثقة الناس بمؤسسات الدولة. والمفارقة المبكية في عنوان هذه المشكلة أن المستشفيات التي يجب أن تكون عنوان الأمان للجميع، تحولت الى كابوس مرعب قد يودي بحياتهم، بسبب الإهمال وسوء الإدارة.
بعد فاجعة السلط تعيش الحكومة أسوأ كوابيسها، وصورتها تهشمت شعبيا، وتحتاج إلى معجزة حتى تتمكن من الخروج من النفق الذي دخلنا فيه بعد تفشي وباء كورونا، على نحو بات يدق ناقوس الخطر في قدرة الدولة على الصمود ومواجهة الخطر.
بعد فاجعة السلط، وبعد أن شارفت الإصابات بفيروس كورونا قرابة 10 آلاف شخص، على الدولة الأردنية أن تضع خطة عاجلة للنجاة قبل تداعي وفشل القطاع الصحي، فلا الحكومة تملك ترف الوقت، ولا المجتمع يملك الصبر لوداع أحبة لهم.
«بكفي» هذا ما قاله الملك بعد كارثة مستشفى السلط، وهذا ما يجب أن تترجمه كل أجهزة الدولة لإجراءات وتدابير لوقف حالة النزيف المستمر الذي تعيشه بلادنا.
ربما ما يُستعصى على الإجابة هو ماذا سنفعل؟، وما أعرفه، ويريده الكل أن نضع ونحدد موعدا لبدايات التعافي، ولنقترح عيد الاستقلال المقبل للأردن ميلادا جديدا، يكون فيه الخطر قد زال، والحياة قد عادت ولو تدريجيا.
أكثر من شهرين يفصلنا عن موعد احتفالات الاستقلال، وهذا يعني أن الخيار الأول الذي يجب ان نلجأ إليه هو تسريع وتيرة إعطاء اللقاحات بشكل فعال، وقد أحسن وزير الدولة لشؤون الإعلام صخر دودين بإعلانه لإجراءات تحفيزية لمن يتلقى جرعتي المطعوم بحيث يتاح له التجول في أوقات الحظر على سبيل المثال لا الحصر، وهكذا فان المطلوب التفكير خارج الصندوق لتصبح حملة التطعيم الوطنية حقيقية، بدل أن تظل «رصاص فيشنك» لا أكثر.
لا تملك الدولة إجبار الناس على تلقي اللقاح، ولكنها تستطيع وضع «سلة حوافز» لتشجيعهم، ولو فُتح المجال لأصحاب المبادرات والأفكار لاستمعت الحكومة لحزمة من التوصيات يمكن أن تُسهم في دفع عملية إعطاء المطاعيم خطوات للأمام.
لا أعارض أن يُفتح الباب للقطاع الخاص لاستيراد اللقاحات، وأن تساهم شركات القطاع الخاص في تغطية كلف هذه المطاعيم لموظفيها، على أن لا تتخلى الحكومة عن واجبها بضمان هذا اللقاح للجميع، وسمعت من مدير الضمان الاجتماعي حازم رحاحلة أن الضمان الاجتماعي اقترح على الحكومة ان تتكفل المؤسسة بكلفة تلقي مشتركيها للمطاعيم على نفقتها ولم تتلق ردا.
إذا ما يجب أن يشغل بال الحكومة الآن هي قصة التعافي، عوضا عن افتعال صراعات ومعارك جانبية، فالعالم من حولنا يبتعد في كثير من دوله عن دائرة الخطر، ونحن الآن بين النيران، فالحكومة لا تملك يقين المستقبل، فهي لا تستطيع الجزم القاطع أنها لن تلجأ للحظر الشامل، رغم حرصها ورغبتها أن لا تفعل ذلك، وكل ما تفعله أنها تقدم برنامجا مرحليا يمتد حتى نهاية الشهر الحالي آذار، ونهج التعامل «بالقطعة» لا يكفي، ولا يحل المشكلة.
في العالم نماذج لدول تعاملت مع الجائحة وتمثل قصص نجاح، فلماذا لا ندقق بما فعلت، ولماذا لا ننظر بحسرة إلى «إسرائيل» التي أنجزت تطعيم غالبية سكانها بوقت قياسي؟، وكيف تغيب عنا تجربة بعض دول الخليج التي عاد الناس لممارسة أعمالهم، وكل القطاعات مفتوحة دون حظر وإغلاق، والإصابات أقل بكثير مما يقع عندنا، بعد أن كان الوباء ينخر بلادهم؟
إذا كان الحظر الشامل لأسبوع، أو أسبوعين، ولآخر مرة ينقذنا ويضعنا على سكة التعافي، والعودة للحياة الطبيعية، فان الناس مستعدون لدعم هذا القرار مثلما فعلوا ذلك من قبل، فالمهم أن يكون هناك ضوء في نهاية هذا النفق المعتم.
بصراحة خطة الخروج من أزمة الوباء – لنتفرغ بعدها لمعالجة فشل مؤسسات الدولة- تحتاج أن يقودها الملك حتى ينضبط الجميع في ايقاع موحد، فلا نسمع ونرى التناقضات التي نشهدها يوميا في ملف كورونا.
اتركوا حكومة د. بشر الخصاونة بحالها قليلا، فيكفيها كل يوم ضربة موجعة، ودعونا نتحد معا ليكون عنوان انتصارنا في عيد الاستقلال دحر فيروس كورونا، وعندها لكل حادث حديث، فلن نغض النظر عن سجين أوقف بسبب رأيه، ولن نسكت عن فساد أوهن مؤسساتنا وضرب قيمنا في الصميم.