أحتاجُ- وتحتاجون كما أعتقدُ- إلى فرح، لا تحفزني إليه نكاتُ عادل إمام، أو مقالبُ غوار بـ "الأبيض والأسود"، حتى عندما صارت بالألوان وافتقدت الروح. ما أحتاجه فرحٌ لا تحمله إليَّ كلُّ قنوات النيل سات؛ فلا أتصوَّرُ بأي حال أن تدفعني جميعُ أفلام محمد هنيدي للضحك من العينين!
أخرجُ كلَّ صباح أتفرَّسُ في الأشياء من حولي، أتساءلُ ما الذي يُمكنُ أنْ يجعلَ قلبي مِنصَّة للفرح؟
يتطلبُ ذلك، أولاً، أنْ أترك الصحيفة في الصندوق، ولا أقرأ عن فرض ضريبة جديدة،ولا عن توجه "جدي" لرفع تعرفة الكهرباء. يتطلبُ ثانياً ،ألا أصغي لأيِّ برنامج صباحي في الإذاعات المحلية؛ لأتجنبَ صداعاً كلياً من شكاوى مستمعين يطحنهم الألم، ولا إجابة من مسؤولين، غير مستمعين، ما يضطرُّ المخرج للاستعانة بحكمة فريد الأطرش
"الحياة حلوة"، دون أن يخبرنا كيف نفهمها؟!
إنْ ابتسمتُ، أخسرُ مزاجي سريعاً في أزمة مرور خانقة نتيجة حادث تصادم لا تتعدى قيمة أضراره خمسة دنانير دون إجراءات "الكروكا"، لأنَّ أحد السائقيْن لم يقر بخطئه!
أنتظرُ مع المنتظرين، ولأنني خسرتُ مزاجي فلا بأس من أنْ أزيدَ الهمَّ على قلبي،وأستمعَ إلى برنامج شكاوى صباحي. لكنَّ التذمُّر توقفَ فجأة، وأينما تحرَّكَ المؤشر أباغتُ بفرح صاخب، يتفقُ فيه الجميع على حتمية أنَّ الليل يجب ألا ينتهي!
تلك كانت دعوة طريفة من كاظم الساهر قبل ستة عشر عاما، لكنها اليوم ضرورة ملحّة للناس الذين يتمنون أنْ يعود الجو "جميل وشاعري" أو "عشائري" كما كان يحوِّرها الراحل محمد طمليه. وبمجرَّد أن قالَ المغني "برد ورياح ومطر" فهمتُ السبب، لكنني لم أتوقع قطّ أنَّ الأمورَ جدية إلى حدِّ أن يسقطَ الثلجُ، ويتراكم على ارتفاعات منخفضة، وفق ذمَّة الراصد الجوي، المشكوك دائما بدقتها!
جاءَ الثلج؛ لكنه خفيف وليس كما رصدتهُ أجهزة لا أعلمها، وحدَّدت مساره، وأين سيسقط، وعلى أيِّ ارتفاعٍ سيأخذُ راحته في التراكم ويمد أطرافه البيضاء المتوحدة بلا ملامح.
الفرحُ لا يباغتنا، يأتي على مهل؛ فقد انتظرته كاسحات وزارة الأشغال وأمانة عمّان على ناصية الطريق، وأفزعت حركة تجمُّعٍ ضاحك لبكاء السماء على الأرض!
أفرحُ -تماما كما تفرحون-، يقرُّ السائقان بخطئهما ولا يأتي رقيبُ السير، إلا للاطمئنان على سلامتهما. يتوقفُ السيرُ، لا ضير فثمة الكثير حولي؛ مما يجعلُ قلبي منصة للضحك،كأنْ أتعرَّض لرشق متلاحق بكرات الثلج من أطفالٍ في سنِّ الفرح، أو يتغاضى الشرطيُّ عن مخالفتي لأنني كسرتُ قواعد المرور من أجل شراء "مناقيش
الزعتر"!
اليوم أحرصُ على قراءة الصحيفة، لأتتبع سبل الاحتفاء بـ "الزائر الأبيض"،وأستمعُ بانتباه شديد إلى الإذاعات، أراقبُ تبدل مزاج الناس، أستغربُ كيف يتقنون الضحك الذي لا تستفزه كل نكات عادل إمام. يضحكُ الناس من قلوبهم ويبتهجون.
تخيلوا أننا نبتهجُ فقط لأنَّ الحياة تعطلت! أمس واليوم وغداً ظرف طارئ يستدعي الفرح؛ يُمكنُ أنْ ننسى أمر الضريبة الجديدة، ونقرِّر أنَّ الكهرباء ضد الرومانسية،والشتاء يتواطأ معها، فحين تكون كلُّ الطرق مسدودة بسبب تراكم الثلوج، يكونُ طريق الحبِّ سالكاً، وخطوات العاشق على الثلج واضحة تماما، وتحفظُ له خط الرجعة!
كم سيمكثُ الفرح؟ يوما أم يومين؟ ماذا لو بقي الثلجُ متراكماً لشهر كامل على كتفي؟ هذا سؤال ملحٌ أتوجه به إلى أرقام الطوارئ في "الأمانة"، والغريب أنَّ الموظف الدمث يتجاوبُ معي ويسألني عن ارتفاعي؛ فأخجلُ من الإجابة التي لا تتعدى 167 سم،يأسفُ، وأعرفُ أنني أحتاجُ المزيد لأطاولَ لحية جبل الشيخ!!