الصحوة المتأخرة بعد فوات الأوان، وبعد وقوع الفأس بالرأس، مذمومة ومستقبحة عند
العرب والعجم وعند المتقدمين والمتأخرين، خاصة إذا جاءت بعد محاولات عديدة ناصحة قد
تمّ رفضها بعناد وعن سبق إصرار، وليس هذا فحسب، بل كان الرفض مصحوباً بغطرسة وشعور
وهمي بالقوة والانتصار، وممارسة التذاكي واتباع سياسة استبعاد الآخرين.
ومن
أشد أصناف الحمقى سوءاً أولئك الذين يكثرون أعداءهم وخاصة الذين يصنعون من المقربين
خصوماً وأنداداً بعد أن كانوا مشاركين وداعمين وإخوة سابقين بالتضحية
والفداء.
إنّ البراعة تكمن في امتلاك القدرة على كسب الأصدقاء والأعوان
وتوسيع دائرة المشاركين في الرأي والمؤيدين في الفكرة والنهج والداعمين للمسار
بتلقائية بعيدة عن منطق المكاسب والصفقات.
إنّ من أشد أنواع الأمراض فتكاً
في التجارب والمشروعات أن يتسلل إلى نفوس القائمين عليها وهم الاستعلاء على العباد،
ووهم القدرة الخارقة، والتميز في الخلقة وأن تستبد بالتجمع فكرة التفوق العرقي أو
الجهوي أو الطائفي أو المذهبي، وأشدّ من ذلك كله أن ينسلخ الإنسان من عقيدة التوكل
على الله والإخلاص له في السر والعلن ويندفع نحو تقليد العدوّ المنتصر، ويحذو حذوه
بغريزة الضعف المنعكسة والهزيمة المقلوبة، وهو لا يشعر أبداً، بل يرى في ذلك شطارة
وسياسة وحداثة وعصرنة تقتضيها المرحلة وطبيعة الصراع.
ولكن أكثر الأشياء
ألماً وحسرة أن يتم تكرار الخطأ الفاضح مرةً بعد مرة، وعدم الاستفادة من الدروس
السابقة، بجهالة جهلاء وضلالة عمياء، كمن أحاطت به خطيئته واستحوذ عليه الشيطان،
واستبدّ به الطغيان على نحو من زيّن له سوء عمله فرآه حسناً، فكانت المصيبة عليه
وعلى الآخرين.
إنّ تجريد السياسة من القيم، وتحييد مسارات العمل عن مكارم
الأخلاق ليس أمراً محموداً البتة، بل هو عمل مشين، وغير مقبول حتى في كتاب الأمير،
وسيبقى للإخوة شأن، وللخلّة والودّ أثرٌ، مهما بلغت درجة الحداثة وعلا شأن العقل؛
لأنّ هذا هو شأن السلوك الإنساني، لا يستقيم بغير قيم حفظ العهد، وصدق الكلمة
والوفاء بالوعد.
سوف تبقى المروءة عنواناً مهماً من عناوين الرجولة
والبطولة، وسوف تبقى الشهامة طريقاً موصلاً، يسلكه أصحاب المعالي وأصحاب الشرف
الرفيع، حتى وإن طغت المادة وأظلمت النفوس، وأفلست الشعوب، وانفرط عقد القيم، وطاحت
المعاني الجميلة.
آن الأوان أن يرعوي المفرط، ويستفيق الغافل ويحذر السالك،
ويتعظ المخطئ، ويتدبر القاسط، حتى لا يكونوا لنار الفتنة حطباً، إن بقي هناك وقتٌ
للإفاقة وتعديل المسار، وحسن الإصغاء لصوت الحق والعدل المنبثق من أعماق
الفطرة.
rohilrghrb@yahoo.com