يسري غباشنة
9/5/2011
حامي - بارد
هي لعبة ذائعة الصّيت في ستينيّات القرن الماضي، وشائعة في أزقة الغويرية وزواريبها. تتلخص في مجموعة من الصبية يختارون من بينهم واحدا يقوم بإخفاء حزام جلديّ في محيط الحارة، حيث يتوارى عن أنظار زملائه ليخبئ الحزام تحت حجر، أو تنكة سمنة فارغة، أو في شقّ حائط وما أكثرها في تلك الأيام، أو تحت تنكة زرّيعة على سور أحد الجيران. وبعد أن يعلن هذا الصبي عن بدء البحث، ينتشر الآخرون بحثا عن الحزام، وعلى ذاك الصبي أن يعترف إذا اقترب أحدهم من المخبأ أن يقول: حامي؛ أي قريب من المخبأ، وإذا سأله أحد أترابه عن مكانه أقريب عن المخبأ أم بعيد، فعليه أن يقول له: بارد؛ أي أنّ المخبأ بعيد عنه. وإذا اقترب أحد الرفاق كثيرا من المخبأ يكرر القول: حامي حامي ....وهكذا حتى يتم العثور على الحزام. ومن وجد الحزام عليه اللحاق بمن خبأه وإلهاب قفاه بالجلد حتى الوصول إلى مكان التجمع الأصلي.
إلا أنّ هناك بعض المؤشرات التي ترشد البقية إلى المخبأ اعتمادا على مايظهر على محيا زميلهم منها على سبيل المثال لاالحصر: ارتعاد فرائصه، ارتجاف أطرافه، تحسس قفاه بين فينة وأخرى، النظر لاشعوريا نحو المخبأ، الاستعداد للهرب، اللجوء إلى التحايل والمواربة، الارتعاش من كثرة الأسئلة والاستجوابات، النظر إلى الآخرين بعينين يشوبهما التّوجس والريبة والكره. وما إلى ذلك من دلائل لاترق إلى درجة اليقين حتى العثور على الحزام.
ومن الملاحظ في هذه الأيام أنّ كثيرا من تفاصيل حامي – بارد قد حطّت برَحْلها على أعتاب من يحاول تعطيل عمل دائرة مكافحة الحساب في سعيها إلى معرفة دهاليز وزواريب ملف الكازينو، ومعرفة مخبأ الحزام لتمسك بطرفه فتلهب به أقفية من سار في درب هذا الملف؛ ويحاول بعضهم اللف والدوران، وآخرون يحتجون بوجود شبهة دستورية حول تحويل الملف إلى هذه الدائرة في حين يجب أن يحول إلى مجلس النواب وفقا للدستور. وهذه الحركة جعلت الكثير من الأسئلة متداولة في الشارع الأردني منها أنّ هذا الملف قد فاحت رائحته منذ عدة سنوات ولم يحرك أحد ساكنا إلا بعد أن أخذ بعدا جديا في هذا الدائرة، فأصبح الملف بين ليلة وضحاها غاليا، يهرول المجلس التشريعي إلى تبنيه، المجلس ذاته وغيره من المجالس التي لم تنبس ببنت شفة في سبر غور هذا الملف إلا الآن.
وهناك حديث كذلك في الشارع الأردني حول أنّ هناك بعض المسؤولين السابقين والحاليين مغموسة أياديهم بهذا الملف، وعندما صارت المحاسبة جدية أخذت فرائصهم بالارتعاد، وأطرافهم بالارتعاش عند إحساسهم باقتراب موعد الأسئلة والاستجوابات، وأصبحت عيونهم تتراقص جيئة وذهابا وكأنها في كازينو أو ملهى أو في عيادة طبية للمساج. كما أن هناك تخمينا مشروعا هو الخوف من قدرة من كانوا في يوم ما من علية القوم في الزوغان والفلتان بسبب علاقاتهم ونفوذهم، إضافة إلى اعتمادهم على ثغرة في قانون، أو هفوة في إجراء روتيني بسيط، ينفذ منهما بالقانون أيضا.
الدستور والقانون والتشريعات الناظمة لحياة المواطنين لها الانصياع كلّه، والتقدير كلّه، ولكن لكل دستور روح، ولكل قانون روح؛ فكما يطالب مجلس النواب بصفته التشريعية بحرفية الدستور وهذا حقه بلا منازع، أيضا يطالب المواطنون بروح الدستور؛ فالمواطن لايهمه أبدا من هو صاحب الولاية في هذا الملف أو غيره، بل يهمه أن تصل أيّ جهة إلى سفلة الفساد أنّى هم، ومهما كانوا. فإن بدأ التحقيق بهذا الملف في دائرة مكافحة الفساد فليكن. ولا داعي لافتعال معيقات إن أطاحت بهذا الملف جانبا في سلة الإهمال والنسيان، فكيف سنفتح ملفات أخرى!!!
أم أنّ بعضهم يرى أن يظلّ الحزام في مخبئه؟؟!!