كنت أعتقد كما غيري ، أن التخلص من المرارة ، مدعاة لإضافة مساحات من الصبر
والحًلًم و"طول البال" ، ولهذا توقعت أن أصبح صبورا أكثر ، وحليما أكثر ، بعد
استئصال المرارة ، جريا على القول السائر إن فلانا "مرارته فاقعة" ولهذا فهو "طويل
بال" وصبور وحليم ، غير أن ما حصل كان على العكس تماما ، فقد بت ضيق الصدر أكثر من
أي وقت مضى منذ أن استأصلت المرارة ، وصرت على الدوام أشعر باختناق لدى أول وأقل
انفعال ، وكأن ثمة يدا جبارة تخنقني،
حاولت أن أجد علاقة بين ما يقال عن
فلان الذي "فقع مرارة علان" فلم أجد ما يشفي الصدر بخصوص وجود المرارة والحالة
النفسية ، إلا ما يقوله بعض الأطباء سريعا ، من ارتباط ما بين الحالة النفسية
والتهاب المرارة،
السؤال الذي كان يبادرني به كل من علم باستئصال مرارتي هو:
هل فعلتها امرأتك و"فقعت مرارتك" وهو مجرد افتراض مبني على أن المعتاد أن "تفقع"
الزوجات مرارات أزواجهن ، وكل هذا محض افتراضات إن لم يكن افتراءات ، هذا ليس دفاعا
عن الزوجات أبدا ، بقدر ما هي حقائق حياتية ، إذ أن دور الزوجات أكبر بكثير من فقع
المرارة ، وهو عمل ضئيل جدا مقابل ما يفعله الأزواج والزوجات ببعضهم
البعض،
أنا الآن بلا "مرارة" يعني يفترض أن أغوص في "الحلاوة" لكن ما حدث هو
العكس تماما ، فقد اكتشفت أن أقل الأعضاء مرارة في حياتنا هي المرارة تحديدا ،
وتأكد لي أن مرارة واحدة "عضويا" يمكن أن تنتزعها من جسمك في دقائق محدودة ، أما
المرارات الأخرى التي تسكننا فلا يمكن استئصالها ، بل ربما تحتاج لاستئصالك كلك كي
تتخلص من المرارات ، فالإنسان العربي هو مجرد "مرارة" ومركب عليه أعضاء أخرى:
كالرأس واليدين والخدين والقدمين ، والخدان تحديدا وجودهما ضروري جدا لضرورات الصفع
، يوم الجمعة الماضي كتبت عن مفاتيح السعادة و"وتفلسفت" كثيرا في مسألة قدرتنا على
صناعة السعادة واستدراجها ، ومنذ ذلك الحين وأنا أتلقى سيلا من "السعادات ،"المضادة
التي جعلتني أراجع كل ما قلت ، ربما يكون ما مر معي له بعد شخصي ، لكنه في النهاية
مرتبط بالمزاج العام ، وقدرة المتنفذين غير المحدودة على صناعة النكد العام ، وغمرك
بحمولة شاحنة من المرارات تعويضا عن استئصال مرارتك المسكينة،
أقترح تشكيل
هيئة مستقلة للنكد ، كأن تكون هيئة النكد العام ، أو لجنة تنظيم قطاع النكد ، أو
مفوضية التنكيد وصناعة المرارات ، فقد تمدد هذا القطاع إلى حد بات في حاجة إلى
مأسسة وتنظيم ، كي يتم توزيع النكد بعدالة بين المواطنين ، وفي الأثناء ، نصدر
بيانا نعلن فيه براءة المرارة مما لصق بها من اتهامات،