زاد الاردن الاخباري -
عند حديثهم عن علاج «الاضطراب العاطفي الموسمي» Seasonal Affective Disorder، يُفيد الباحثون الطبيون في مؤسسة مايو كلينك الطبية الأميركية، بأن بالإمكان القيام بعدد من السلوكيات الحياتية الصحية للتغلب على هذه المشكلة الموسمية، ومنها الخروج للأماكن المفتوحة للاستمتاع بالمشي المطول خارج المنزل خلال ساعتين من النهوض في الصباح، وتناول الغداء في متنزه قريب، وزيادة الاستمتاع بضوء الشمس في البيئة المحيطة.
كما أن التمارين والأنواع الأخرى من الأنشطة البدنية، تساعد على تخفيف الضغط النفسي والقلق اللذين يزيدان من أعراض الاضطراب العاطفي الموسمي لدى الشخص. وأن النجاح في التمتع بمزيد من اللياقة، يجعله يشعر بمزيد من الارتياح بشأن حالته أيضاً، وقد يحسِّن الحالة المزاجية لديه.
اضطراب موسمي
ومع الاهتمام بتطبيق سلوكيات الوقاية من الأمراض المُعدية، ينصح باحثو مايو كلينك قائلين «اشترك في برنامج تدريبي أو انخرط في نوع آخر من النشاطات البدنية المنتظمة، وابذل جهداً للتواصل مع الناس الذين تستمع بالتواجد معهم. ولا تتجاهل هذا الشعور السنوي، بل اتخذ خطوات لتبقي مزاجك ودافعيتك ثابتين طوال العام».
وطبياً، يُصنّف الاضطراب العاطفي الموسمي (SAD) كنوع من الاكتئاب ذي الصلة الوثيقة بالتغيُرات المناخية الموسمية. ومن بين الأعراض: الشعور بالاكتئاب معظم اليوم وفي أغلب الأيام، وفَقْد الاهتمام بالأنشطة الحياتية التي كان المرء يستمتع بها في فصول أخرى، وانخفاض مستوى النشاط والحيوية، والشعور بتغيرات في الشهية أو الوزن، وصعوبة التركيز الذهني، وزيادة الخمول والنوم.
وتفيد الإحصائيات الطبية في الولايات المتحدة، بأن الاضطراب العاطفي الموسمي يؤثر على 10 ملايين أميركي كل عام، وأن 20 في المائة من السكان لديهم نوبات خفيفة منه. وفي بعض الحالات، قد يتطلب الدخول إلى المستشفى للمعالجة النفسية. وهو أكثر شيوعاً في النساء من الرجال، ويبدأ عادة بعد سن العشرين.
ووفق ما تشير إليه المصادر الطبية، فإن السبب الأساسي في الاضطراب العاطفي الموسمي غير معلوم حتى اليوم، ولكن اختلاف مقدار عدد ساعات النهار عن الليل، واختلاف درجات حرارة الأجواء، واختلاف مدى التعرض لأشعة الشمس، هي عناصر مؤثرة في التسبب بمتغيرات عدة (بشكل مباشر أو غير مباشر) مرتبطة بتدني مستوى المزاج النفسي لدى الشخص. ومنها:
التغيرات التي تعتري طريقة عمل «الساعة البيولوجية» Circadian Rhythm للإيقاع اليومي
مدى توفر مواد السيروتونين Serotonin والأندروفين في الدماغ
اضطراب آلية تنشيط توازن مستوى هرمون الميلاتونين Melatonin في الجسم.
ويُعتقد أن التعرض لأشعة الشمس، وخاصة الفترة الصباحية، يزيد من إفراز الدماغ لمواد السيروتونين. وهي التي تُحسّن من راحة المزاج النفسي والشعور بالهدوء والتركيز. ومع غروب الشمس وبحلول الظلام في الليل، تؤدي الإضاءة الخافتة إلى تحفيز الدماغ على إنتاج هرمون آخر يسمى الميلاتونين، وهو الذي يساعد الإنسان على النوم. ويتدنى إفرازه بالتعرض لضوء الصباح وشروق الشمس.
ولذا؛ فإن الانخفاض في مشاهدة ضوء الشمس، يتسبب في انخفاض إفراز مواد السيروتونين، التي تُسمى أحياناً بـ«هرمون السعادة». وتمت ملاحظة أن هناك انخفاضاً واضحاً في مستوى توفر هذه المادة في الدماغ لدى المُصابين بحالات الاكتئاب. ومن فئات أدوية علاج الاكتئاب Antidepressants، تتوفر فئة مهمة تُسمى SSRI. وهي تعمل على زيادة توفر مادة السيروتونين في الدماغ كآلية علاجية.
وتُؤكد العديد من الدراسات الطبية، أن أحد أقوى أسباب انخفاض مادة السيروتونين في الدماغ، هو تدني التعرض لضوء الشمس. ومع انخفاض مستويات السيروتونين، ترتفع احتمالات الإصابة بالنمط الموسمي من الاكتئاب الناجم عن تغير الفصول.
كما أن تغيّر الفصول، واختلاف طول فترة النهار إلى طول فترة الليل، يتسبب في اضطراب توازن مستوى هرمون الميلاتونين في الجسم. وهو الهرمون الذي يلعب دوراً محورياً في تنظيم النوم واعتدال المزاج النفسي.
إيقاعات الساعة البيولوجية
وللتوضيح، يمكن أن تضطرب إيقاعات الساعة البيولوجية بسهولة خلال اختلاف فصول السنة، نتيجة لعدد من التغيرات البيولوجية والسلوكية. ذلك أن إنتاج الميلاتونين يمكن أن «يتغير» نتيجة قصر أو طول كل من فترة النهار والظلام في فصول السنة المختلفة، ومستوى توفر ضوء الشمس وتعرض المرء له.
كما يمكن أن تتغير هرمونات التنبه والنشاط ورفع المزاج، التي يتم إنتاجها خلال ساعات اليقظة في النهار، بما في ذلك السيروتونين والكورتيزول Cortisol والأندروفين. وهذه التغييرات البيولوجية وغيرها، قد تُؤدي لدى بعض الأشخاص إلى تغييرات في مستويات الطاقة وميل أكبر للخمول والكسل والنوم.
ولذا؛ من المهم الالتزام بجدول النوم المعتاد والمتسق طوال فصول السنة؛ لأن اختلاف مدة النوم والبقاء في السرير لفترة أطول فيما بين الفصول، واختلاف فترة القيلولة في ساعات النهار، كله يمكن أن يتسبب في مزيد من الاضطراب للساعة البيولوجية والإيقاعات اليومية المرتبطة بها.
ولذا؛ على سبيل المثال، يمكن أن يساعد الحصول على الكثير من التعرض للضوء خلال ساعات النهار في الحفاظ على نوم أكثر راحة ومزاج أكثر إيجابية طوال فصل الشتاء. والتعرض للضوء أول شيء في الصباح يمنع إنتاج المزيد من الميلاتونين ويحفز إنتاج الكورتيزول. وسيساعد استخدام الضوء لتعزيز هذه التغييرات الهرمونية في الحفاظ على تزامن الساعات الحيوية، وسيمنح ذلك مزيداً من الطاقة أثناء النهار ويجعل من السهل النوم ليلاً، مع المزيد من الراحة المنعشة والمتجددة.
الرياضة اليومية.. نشاط بدني وطاقة نفسية طوال العام
رغم أن آخر ما قد يفكر به البعض هو ممارسة الرياضة عندما يُعاني من الإجهاد النفسي أو الاكتئاب أو التوتر، فإن ذلك هو حقيقة من أفضل ما عليه فعله آنذاك.
هل تريد معرفة العلاقة بين النشاط البدني وممارسة الرياضة وبين إيجابية الطاقة النفسية؟ أظهرت دراسات عدة في نتائجها، أن ممارسي الرياضة اليومية، وبمستوى متوسط الشدة، يستفيدون من ارتفاع مستوى إيجابية المزاج وانخفاض الإصابات بالاكتئاب والقلق والتوتر النفسي وتحسين نمط النوم الليلي. هذا بالإضافة إلى ارتفاع مستوى النظرة إلى الذات Self - Esteem وتقبّل شكل الجسم، إضافة إلى الفوائد الصحية البدنية الأخرى، مثل: تقوية القلب وخفض ضغط الدم، وتقوية العضلات وتحسين مرونتها، وتقوية العظام، وخفض كتلة الشحوم في الجسم وغيره.
وتقدم تلك الدراسات العلمية تفسيرات لتلك التأثيرات النفسية الإيجابية. ومنها أنه مع ممارسة الرياضة البدنية ينشط الجسم في إفراز مواد كيميائية تُسمى الإندروفين Endorphins. وهي من فئة مجموعة «مثبطة الناقلات العصبية» Inhibitory Neurotransmitters. وهذه المركبات الكيميائية تتفاعل مع مُستقبلات Receptors خاصة في خلايا الدماغ، لتبعث نشوة الشعور الإيجابي وتخفيف الشعور بالألم، على غرار ما تفعله مُشتقات المورفين. ولكن على عكس المورفين، فإن تنشيط هذه المستقبلات بواسطة الإندورفين الطبيعي في الجسم، لا يؤدي إلى الإدمان. وهذا الشعور الإيجابي هو الذي يُوصف بـ«نشوة العداء» Runner›s High، ويكون مصحوباً بإيجابية الحالة النفسية وبحيوية النظرة للحياة والشعور بالارتياح والاستجمام في الجسم.
كما أن ممارسة الرياضة البدنية ترفع من مستويات توفر مواد السيروتونين البروتينية في الدماغ. والسيروتونين من مجموعة «مثبطة الناقلات العصبية»، التي لا تشحن الدماغ بالتحفّز أو التوتر، بل تبعث فيه الشعور بالارتخاء والراحة والسعادة. ولذا هو عنصر أساسي في استقرار الحالة المزاجية وتحقيق التوازن في راحة الدماغ. وإضافة إلى الأدوية، يمكن تحسين تصنيع السيروتونين في الدماغ بعوامل طبيعية عدة، من أهمها: التعرض لضوء الشمس وممارسة الرياضة البدنية.
وعلى الرغم من الاختلاف بين السيروتونين والإندورفين من نواحي التركيب الكيميائي، فإن كلاهما من فئة مجموعة «مثبطة الناقلات العصبية»، وكلاهما مسؤول عن ضبط الحالة المزاجية وتحقيق التوازن في راحة الدماغ، وكلاهما يمكن أن يساعد الشخص على الشعور بالمتعة وتخفيف الآلام وتحسين المزاج.
ويقول الباحثون في مايو كلينك «إن ممارسة 30 دقيقة أو أكثر من الرياضة في يوم لمدة تتراوح من ثلاثة وخمسة أيام أسبوعياً قد تحسّن بشكل كبير من أعراض الاكتئاب أو القلق. ولكن المقدار الأصغر من النشاط البدني لفترة قصيرة تتراوح ما بين 10 و15 دقيقة في المرة الواحدة، قد يُحدث فرقاً».
حيوية نفسية خلال تعاقب فصول السنة
قد تبدأ لدى البعض أعراض الاضطراب العاطفي الموسمي في الخريف وتستمر طوال أشهر الشتاء، أو لدى غيرهم في مرحلة الانتقال من أي فصل إلى آخر، مستنزفة الطاقة النفسية الإيجابية وباعثة للشعور بتقلب المزاج.
ويقول الدكتور كريغ سوتشوك، المتخصص في علم النفس بمايو كلينك، قائلاً «عندما يتعلق الأمر بالتخلص من الاضطرابات العاطفية الموسمية في الربيع أو أي اكتئاب موسمي، لا يزال التعرض لضوء الشمس أمراً جيداً.
لكننا نريد التأكيد على عوامل إضافية، ومنها الحفاظ على روتين يومي عادي في: دورة النوم والاستيقاظ، والتغذية، والإيقاعات الاجتماعية، وممارسة النشاط البدني، والتمارين الرياضية. لأن التغيرات الموسمية في المزاج غالباً ما ترتبط بالإرهاق والميل إلى الرغبة في النوم». وذلك في إشارة إلى حالات «النمط العكسي» من الاضطراب العاطفي الموسمي Reverse SAD، وهو الذي يُصيب 10 في المائة من الذين لديهم الاضطراب العاطفي الموسمي.
وفيه ينقلب النمط مع عودة الاكتئاب في الربيع أو الصيف. وتفيد الدكتورة كاثرين كلوك باول، المنسقة الإكلينيكية في قسم الإرشاد المهني في جامعة جنوب سافانا، بأن الاكتئاب الموسمي في الربيع والصيف يمكن أن يكون مزعجاً بشكل خاص؛ لأنه في حين أن معظم الناس يستمتعون بكمية متزايدة من ضوء الشمس وارتفاع درجات الحرارة، فإن أولئك الذين يعانون منه يشعرون بالإرهاق، وبأن الجميع يكون أكثر سعادة عندما يحل الربيع، ما عداهم.
والثابت علمياً أن تعاقب تعرّض الجسم لضوء الشمس أثناء النهار وللظلام أثناء الليل، يؤدي إلى تنشيط إطلاق أنواع من الهرمونات والمواد الكيميائية في الدماغ بشكل طبيعي. وعند اختلال هذا الأمر، كما في الشتاء أو مع تغير الفصول، تحصل التغيرات المزاجية. كما قد تتأثر الحالة المزاجية بقلة ممارسة النشاط البدني وبطول البقاء في المنزل إما بسبب: الأجواء الباردة أو الشديدة الحرارة أو لتحاشي مُسببات الحساسية في الربيع أو بسبب غيره من المتغيرات الفصلية.