كثيرة هي الأوسمة التي تمنح ، وكثيرة هي القلائد التي تعطى ، لكنني لم أرى ولم أختبر مثل بهاء وسامك يا وطني ، فأنت الأجمل وأنت الأحلى وأنت الذي ترسم قصة أمة وحكاية شعب وبوح حكاية رسمت بإتقان و جاءت من بواطن الكتب ومن أدراج المجد التليد الذي سطر بسواعد سمراء لوحتها شمس الجنوب ورسمت سنابلها سهول حوران وزنرت هاماتها ريحانة بلقاوية وعزفت موسيقاها ترنيمة مادباوية وجدلت ظفيرتها معنقة كركية وطرزت ثوبها صبية عجلونية فكانت الحكاية وصيغت الرواية أردنية الهوى ، أصيلة الثرى ، لا يعلو جبينها عار بل فخار الشعوب المدمجة بعز القامات وغنى النفوس وهمة الأبطال وتراويد الحرائر شقائق الرجال اللوتي غزلن من نور الصبح عباءة ومن غروب الشمس أحلى الأغنيات .
صباحاتك يا وطني لا تشبهها الصباحات ، فعندما تمر من زقاقات الوادي تشتم عبير الدفلى الزاهي وتلمس مرارة أوراقه التي تنذر المسيئين ، فنحن شعب أصيل ليس من أجندته أن يخون لكنه يعرف كيف يكون مرا عند تمرد من يظنون .
وعندما تأخذك قدميك بين تشعبات حاراته تأخذك رائحة القهوة الممزوجة بالهيل والزعفران نحو باحات البيت العتيق المرصوصة بحوشه رياحين تنثر عطرها كلما هب النسيم وحركتها مداعبة أيادي المارين ، وغنت لها بدلال صبية معجونة بالرقة يعلو جبينها الخجل وعفة اهلها الخيرين .
هذا الوطن امتداده منذ كان انبعاث الشمس ، حكايته ليست بطارئة أو مجبولة پأيدي العابثين ، نحن كنا منذ كانت ربة عمون ووادي أرنون ومنذ صاغوا الأنباط حكاية الصخر ومنذ كانت تسطر المعارك على مسلات المجد وفوق قمم الفخار رصت قلاعنا واعتلت وتماهت قصورنا في امتداد الصحراء واكتظت مدرجاتنا بحكايات المجد والتي لا تزال تموج بفرح أردني كلما الطير شدا وعلت أهازيج السمر ورقصت بلابل الوادي .
الحب جبل على هذه الأرض وفي ثنايا عباءته عشش المجد التليد وأورقت من جبهته معاني الشرف وأشرقت قصص وروايات نحكيها صبح مساء نرددها على مسامع الأحفاد ، لم تسقط هاماتنا يوما ولم تتعفر بتراب الخزي ولا برماد الموبوئين المنهزمين ، فالحكاية مسطرة على صخر لا يلين ، وممهورة بحبر صنع من دماء الشهداء وموقعة بضمير من عاهدوا الوطن والأمة على مر السنين بأن لا يسقط الوطن وأن لا يشتكي من ضيم ولا تنحني له جبهة وإن قست عليه الظروف وشحت عليه الدنيا والموارد فسيبقى رمزا وقيثارة حب ومزمارا يغني باعثا الأمل في النفوس وناشرا تلك النغمات الأثيرة في سهول الشفا وغور العطاء وعلى سفوح الجبال وامتداد الرمال ، فأبناء بررة لن يبيعوه ولن يفرطوا بحبة من ترابه الطهور .
هذا الوطن هو امتداد الكبار ووصية توارثناها من جد لحفيد ، كتبت بعرق الجباه وندى الصباحات ودندنة الأمهات وصلوات الجدات وعزم الأوفياء الشرفاء الذين ما خانوا عهدهم يوما وهم على الحب باقون ، يد على الزناد ويد تزرع زيتونة وتنادي بأن هذا الثرى هو الموئل وهو الأمان فلا تتنازلوا عنه ولا تستسلموا لعاديات الزمن ولا تخر عزائمكم ولا تستسلموا فالعتاد أنتم والسور القوي سواعدكم والعطاء لا يأتي إلا بجهودكم وتماسككم فكونوا للأردن حماته وسيفه وعقال رأسه وشعار بوريته ووشمه المحفور في ثنايا جباهكم وعتاد سلاحه كلما غنت ساحاته وزغردت نشمية ورود الأحرار .
في مئويتك يا وطني نختزن كل ألأسرار ونعلي الهامات وتشرئب العيون نحو مجدك الذي لا يغيب ، فأنت أماننا وحبنا وترابنا والفخار ، وأنت من نرجوه أن يبقى قويا لا ينكسر رلا تخور قواه ، وكيف لا وأنت شجرة مباركة جذورها الصخر وأغصانها العلياء وقادتها من صلب تاريخنا وعمق الطيب ومن سلالة الأوفياء .
دمت يا وطن الورد وعبق العطر وبوتقة الكرامة ورمز الكبرياء وحصن الأوفياء .