إلى اللجنة الملكية لمراجعة الدستور: الحق في البيـئة
د. عبدالناصر هياجنه
أستاذ القانون البيئي المشارك/ الجامعة الأردنية
====
لم تعد حقوقُ الإنسان قاصرةً على الحقوق "التقليدية" السياسية والاقتصادية والإجتماعية والثقافية، بل أصبحت تتعدى هذه المنظومة لتشمل حقوقاً لم تكن معروفةً أو منصوصاً عليها في الوثائق القانونية –الدولية منها والوطنية- ومن هذه الحقوق التي شقت طريقها بقوةٍ إلى الوثائق الدولية والتشريعات الوطنية للدول حق الإنسان في البيئة النظيفة غير الملوثة. ويعني حق الإنسان في البيئة، الحق في العيش في بيئةٍ صحيّةٍ خاليةٍ من التلوث بمختلف أنواعه، والحق في التمتع المتوازن الراشد بالموارد الطبيعية بشكلٍ يضمنُ للإنسان حياةً كريمةُ تسمح له بالتطور والرفاه في وئام مع الطبيعة.
ولأسبابٍ مفهومة، لم يتضمن دستور المملكة الأردنية الهاشمية الساري المفعول والصادر سنة 1952 نصاً صريحاً يتعلق بحماية البيئة، فلم يشر الدستور من قريبٍ أو بعيدٍ إلى حق المواطن في التمتع ببيئة نظيفةٍ خالية من التلوث، مثلما لم يشر إلى واجب الدولة في المحافظة على البيئة وحمايتها من التلوث، ويمكن تفسير ذلك بأن الوعي البيئي لم يكن ناضجاً في تلك الفترة كما أن المشكلات البيئية لم تكن ظاهرةً للعيان بالحدة التي تبدو عليها هذه الأيام. لكنَّ الحال تغير، ونضجت الحركة البيئية على المستوى الدولي والوطني، وأصبحت حماية البيئة ركناً أساسياً عند وضع وتنفيذ الخطط التنموية ومراجعتها.
إن أهمية إقرار مبدأ حماية البيئة في الدستور باعتباره من الحقوق الطبيعية للإنسان تتمثل في منع المشرّع من تجاهل البيئة عند وضع القوانين والأنظمة المختلفة المتعلقة بالصناعة والزراعة والاستثمار وسائر أوجه النشاط البشري تحت طائلة عدم الدستورية، ووضع قيد على المشرع وأجهزة الدولة المختلفة بعدم التضحية بالمصالح المتعلقة بالبيئة لتحقيق مصالح أخرى وعلى رأسها التنمية الاقتصادية، بالإضافة إلى أن إقرار الحق الدستوري في البيئة من شأنه أن يكمل النقص أو الغموض الذي يشوب تشريعات حماية البيئة، كما يمنح هذا المبدأ الأفراد ومنظمات المجتمع المدني رخصةً قانونيةً للدفاع على البيئة وإلزام السلطات المختلفة بالتدخل ومراعاة الاعتبارات البيئية. يُضاف لذلك، أن الأردن بلدٌ يعتمد على المساعدات والمنح الخارجية التي قد يكون من شروط الحصول عليها، ضمانُ حماية البيئة في النظام القانوني للدولة، وإبرز أدوات النظام القانوني في الدولة هو الدستور.
من المقرر أن الدستور الأردني يُعتبر دستوراً تقدمياً في مجال حقوق الإنسان، فقد كفِل العديد منها وفق المنظور الذي كان سائداً وقت صدروه، ويبدو أن الوقت صار مناسباً لكي يتدخل المشرع الدستوري الأردني لتحديث الدستور الأردني في مجال حماية البيئة لجعله مواكباً لعشرات الدساتير الوطنية التي تضمنت النص على حق الإنسان في البيئة النظيفة. والأملُ معقودٌ على اللجنة الملكية لمراجعة التعديلات الدستورية الملائمة للمرحلة القادمة في أن تولي حماية البيئة والحق فيها العناية المطلوبة، وآليةُ ذلك تتمثلُ في إيجاد نصٍ خاصٍ يُكرّس حق المواطن في البيئة النظيفة وواجب الدولة والمواطن في المحافظة على البيئة وحمايتها. وفي هذا الصدد ، نقترح النص التالي: 1- لكل فرد حق العيش في ظروفٍ بيئيةٍ سليمة. 2- تكفل الدولة حماية البيئة والتنوع الحيوي والمحافظة عليهما بما يضمن تحقيق التنمية المستدامة. 3- تسن الدولة التشريعات اللازمة لحماية البيئة، على أن تتضمن هذه التشريعات بوجهٍ خاص مبدأ مسؤولية الملوِّث، والمبدأ الوقائي في مجال حماية البيئة، ومبدأ تقييم الأثر البيئي لجميع أوجه النشاط البشري، ومبدأ المشاركة في صنع القرارات ذات الأثرالبيئي، وضمان حق الحصول على العدالة البيئية.
إنْ نصاً يضمن حق الإنسان في البيئة السليمة يضمن احتفاظ الدستور الأردني بميزته النوعية في البقاء دستوراً تقدمياً على مستوى المنطقة والعالم، ويوجه رسالةً للجميع في الداخل والخارج مفادها، أن الأردن مؤمنٌ بالقيم الإنسانية المشتركة الخاصة بحقوق الإنسان، يصون القديم منها، ويعززه، ويواكب الجديد فيها ويطوره.