لم تنته قضية الأمير حمزة وما تزال تداعياتها تشغل الشارع الأردني، وفي الوقت الذي أكد فيه الملك أن التعامل مع الأمير سيكون في إطار العائلة الهاشمية، فإن رئيس الحكومة د. بشر الخصاونة في لقائه مع مجلسي النواب والأعيان امتنع عن تقديم تفاصيل ما حدث بانتظار الكلمة الفصل للقضاء.
لا يعرف حتى الآن متى ستبدأ المحاكمة، ولم تنشر أسماء المتهمين في القضية، ولم تعلن لائحة الاتهام، ولكن المؤكد أن المحاكمة- إن تمت- ستكون حساسة ومثيرة ومليئة بالمفاجآت.
كلما خرج الأردن من أزمة عصفت به أزمة أخرى، فما أن جمعت الحكومة شملها بعد فاجعة مستشفى السلط، حتى كنا على موعد مع قضية الأمير حمزة التي حظيت باهتمام العالم، وما أن سلّم الناس أن القضية طوقت حتى كانت قضية إطالة اللسان التي اتُهمت بها آثار الدباس لتسود على ما عداها في السوشال ميديا، ويتصدر هاشتاج «أبوي عندي أحسن من الملك».
تدخل الملك مرة أخرى مثلما حدث في مستشفى السلط ليطفئ جذوة نار مشتعلة، وغضب شعبي يتنامى، ووقف مسانداً للدباس، وأصدرت محكمة الاستئناف قرارها بعدم مسؤوليتها، غير أن هذه الاتهامات فتحت الجدل من أوسع أبوابه حول قضايا إطالة اللسان، وواقع العدالة في بلادنا، والضرورة الملحة لتشذيب التشريعات حتى تكون متماهية ولائقة للعصر الذي نعيشه.
الأحداث المتلاحقة التي توجع البلاد تقع والأردن يحتفل بمئوية الدولة، وتتزامن مع الاحتفال بيوم العلم، وفي ظلال المشهد تحضر بقوة ذكرى هبة نيسان قبل أكثر من 3 عقود.
كل ما يحدث يقود إلى استخلاص عاجل أن الإصلاح حتمي لا مناص منه، ولا يمكن تأخيره، وكل يوم يؤجل الإصلاح السياسي والإداري يدفع فيه الأردن ثمنا غاليا من صورته وبنيته وتماسكه. لم نسمع من الحكومة التي غابت عن الأحداث خطتها العاجلة للإصلاح، وماذا تنوي أن تعمل، وكيف ستعيد ثقة الناس بالدولة؟
لم تقل لنا الحكومة كيف ستتجاوز الحالة التي عشناها منذ العام 1989 وحتى الآن، نتحدث عن الإصلاح ولا نمضي بخطوات جدية وحثيثة لتحقيقه، وكل ما يحدث «تجميل»، ومناورات لاستيعاب الصدمات وسخط المجتمع.
الملك يقول آن الأوان لإصلاح سياسي، وبضرورة تعديل قانوني الانتخاب والأحزاب، فهل سنعود إلى ما جربناه في العقود الماضية؟، وهل ستظل «الفزاعات» والمخاوف هي التي تشكل توجهاتنا وإرادتنا؟ باختصار يريد الناس برلمانا يمثلهم ويعبر عن إرادتهم، ويريدون تغييرا حقيقيا في آليات تشكيل الحكومات وإدارة الدولة.
ماذا يمنع من إنجاز تعديلات دستورية تعيد ترسيخ معالم الدولة الديمقراطية بشكل أوسع، ونجذر في دستورنا منظومة حقوق الإنسان لتكون المسطرة التي تحكم الجميع؟
نحن لا نخترع العجلة، وهناك تجارب وممارسات فضلى في العالم يمكن اللجوء لها لترسيخ الديمقراطية، والمواطنة، والعدالة، وحكم القانون، ولا يجوز أن نتذرع بالخصوصية الوطنية، فالدول التي بدأت مسارها الديمقراطي قبل ثلاثة عقود معنا قطعت أشواطا ونحن نراوح بذات المكان.
المعضلة أبعد من إصلاح سياسي، فهناك كوارث تنتظرنا لمعالجة الإصلاح الإداري، وقراءة فاحصة في تقرير حالة البلاد يكشف عن المسكوت عنه، والذي قد يؤدي إلى «فواجع» مثلما حدث في مستشفى السلط ما لم نتحرك عاجلا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
ذكرني رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي السابق مصطفى حمارنة أن توصيف وتشخيص كل المشكلات وارد في تقارير حالة البلاد، وكذلك التوصيات المطلوب عملها محددة، ولكن لا أحد يقرأ!
بقراءة العناوين الرئيسية لتقرير حالة البلاد 2020 تجد أن التأكيد على أن الحكومات تعمل دون الاعتماد على إستراتيجية وطنية متكاملة عابرة للحكومات، ولا تكاملية في تحقيق الأهداف وتنفيذ القرارات، وتستخلص بسهولة أن كل حكومة تنسف جهود الحكومة التي سبقتها، فحكومة الخصاونة وضعت جانبا برنامج حكومة الرزار «على خطى النهضة» وهكذا يستمر الأمر.
على الحكومة أن تدرك أننا لا نملك ترف الوقت، وعلينا أن نبدأ ورشة الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإداري قبل فوات الأوان.