"متعب" ابن القرى؛ ابن الشجر والوجع؛ ابن الدبكة والناي، المطرب الذي كان ورداً يتفتّح في دروب الوطن؛ الذي ما كاد ينشر عبيره ويجعل له في قلوب الأردنيين مستقَرًّا حتى أتعبه الناس والهمّ والوطن وتفاصيل البوح والدموع فهرب من كلّ شيء إلى الله والهروب إلى الله هو عودةُ الظافر.
صحيح تماماً أن الأردنيين أفاقوا من نومهم على صدمة موت أحد أبطالهم الشعبيين "الفنان متعب السقّار" ولكنّ الصحيح الأكبر أن السقار هزّ لهم وجدانهم في الحلقة الأخيرة من الرحيل كما كان يؤنس وجدانهم طوال حياته بصوته الشجيّ ذي البُحّة الفارقة.
ما يرعبك في حكاية "متعب السقّار" أنها تشبه حكايات أبناء القرى الذين يقدّمون الانتماء والطيبة ولا يحسبون حساب السنين؛ لأنهم لا يعلمون أن الأيّام فرّامة تفرم الطيبين كي يبقى أصحاب الألاعيب والحيَل..!
يموت "متعب" متكئاً على أوجاعه وأدويته وصراعه مع كلّ شيء لأن كلّ شيء لا يتعاطى مع ابن قرية حقيقي إلاّ وخذله..لأن الفن في حالة "متعب" هو أحد دروب السياسة والسياسة لا تحبّ (الغانمين ووجوه الخير) بل تعشق من يتلوّن مع حربائيتها ومتعب صريح وشفّاف ولا يتلوّن؛ لذا سقط في امتحان البقاء لأنه لم يتقدّم له أصلاً..!
سيظل صوت متعب يطاردنا في كلّ يوم..سيتحول إلى أيقونة تراها الأجيال وتبكي على أطلالها؛ لأن الفنان الحقيقي حين يكون من الناس وإلى الناس يجعله الناس بطلاً شعبيّاً..ومتعب رحل بطلاً وها هو الآن يطرح سؤاله الاستنكاري: وبتسأليني يا بلد؟.
رحم الله "متعب السقّار" عاش كي يتألّم ومات كي يرتاح ونتألّم..
كامل النصيرات