ربما كان أجمل حدث شهدناه خلال الأيام الماضية، ومر علينا ضمن نشرات الأخبار مرور الكرام، وكأنه حدث عابر ليس من المهم تسليط الضوء عليه الحدث البارز ألا وهو (إتفاقية المصالحة الفلسطينية) التي تم توقيعها في العاصمة المصرية القاهرة من قبل الأطراف الفلسطينية المختلفة.
نقول أنه كان الأجمل ليس فقط لأنه وحد صفوف أشقائنا الفلسطينيين في وجه عدوهم الصهيوني الموحد، بعد سنوات من القطيعة، والدماء البريئة التي سالت، والدموع التي بحرقة كبيرة كانت قد ذرفت.
بل لأنه يأتي ليداوي بعض الجراح في القلوب، خصوصاً مع مرور ذكرى النكبة الأليمة، تلك الذكرى التي تمزق قلب كل مسلم وعربي يعيش قضايا وطنه العربي الكبير، وتعيش بداخله هذه القضايا.
فمرور هذه الذكرى على صفوف فلسطينية موحدة، بعد الألم والفرقة، بعد الجرح والغمة، كان دائماً غاية الأمل، والمخفف لبعض الألم بإذن الله، فهاهي صفوفك يا فلسطين بفضل الله تتوحد من جديد، وكم نحن حقيقة مشتاقون لرؤية إخواننا في فلسطين بجميع فصائلهم وأطيافهم وألوانهم جنباً إلى جنباً، ولأول مرة منذ زمن طويل، في مهرجان واحد موحد ترتفع فيه كل الرايات ولكن مزينة بإسم واحد وعلم واحد هو (فلسطين)، للتأكيد على عدم نسيان هذه النكبة، وإسماع العالم بأسره بأن فلسطين ستبقى فلسطين، مهما غارت جراحها أو تنافرت أعضائها، ولتكون أكبر صفعة في وجه مجرمي الكيان الصهيوني، وأكبر رسالة لهم بأن شعب فلسطين مهما إختلف، ومهما فرقته الأهواء والشعارات والنداءات، فإنه لا يمكن أن يتوحد يوماً إلا تحت راية وإسم فلسطين.
في بعض الأحيان يلفت نظرك تصرف معين، أو كلمة أو جملة مميزة،عندما تحمل الكثير من المعاني، وهذا بالضبط ماحصل معي منذ أيام، وأنا أقوم بالإطلاع على رسمة فنية لم يكن الحس الفني الراقي الذي إحتوته الرسمة هو الملفت فقط، ولكنها جملة واحدة كتبتها صاحبة الرسمة (التي لم تتجاوز 16 عاماً) بخط خفيف في أسفل الرسمة، أتدرون ما هذه الجملة؟
جملة توقفت عندها كثيراً، بل ولا أخفيكم بأنها هزت مشاعري من الداخل، وغالبت دموعي وأنا أقرأها.
هذه الجملة هي (يموت الكبار ويزيد الصغار إصراراً).
ربما يرى البعض بأن الجملة لا تستحق كل هذه الإشادة، ولكن يكفي لهذه الجملة أن تعطي الدليل القاطع بأن الجيل القادم من هذه الأمة يعلم جيداً بأن واجبه ليس فقط عدم التخلي عن حبة رمل واحدة من أرض فلسطين، بل ولا حتى عن حرف واحد من حروف إسم فلسطين ..
سيبقى دائماً الشعب الأردني إلى جانب الشعب الفلسطيني الشقيق، وما مسيرات أمس الجمعة إلا تأكيد جديد على ذلك، وإلى جانب قضيته العادلة، كما كان الشعب الأردني مع أشقائه الفلسطينيين دائماً، بالأمس، واليوم، وحتى بعد قيام دولة فلسطين المستقلة قريباً بإذن الله تعالى.
نقولها من قلوبنا، لا تحزني يا فلسطين، فقد كنا نريد التساؤل من يكفكف لك دمعك في ذكرى النكبة الحزينة ؟ ولكن طالما كانت أجيال هذه الأمة بهذا الوعي والإصرارفإطمئني فلن يهنئ الصهاينة طويلاً، وسيأتي من يكفكف لك الدموع، مهما طالت الأيام وزادت في القلوب آلالام ... فلا تحزني أبداً يا فلسطين.
نسأل الله عزوجل أن يبعث دائماً في هذه الأمة من يوحد لها صفوفها، وأن تمر ذكرى النكبة العام القادم في فلسطين وهي أول ذكرى لتحرير دولة فلسطين المستقلة الأبية بإذن الله تعالى ...