يسري غباشنة
14/5/2011
السّماء لا تمطر دراهم
لايعدّ قرار الترحيب الخليجي بالطلب الأردني للانضمام إلى منظومة مجلس التعاون الخليجي مستهجنا إذا فُهم من سياق الواقع الحالي، وليس بفهم ما قبل الثورات الشعبية العربية التي أفرزت العديد من الأحداث التي كانت بعيدة عن مخيلات الحكام والمحكومين؛ ومنها على سبيل المثال ذاك الترابط العضوي بين هذه الشعوب التي أثبتت مصداقيتها في وجه الظلم والتعسف، كما أثبتت صدق نياتها في التغيير، دون الاتكاء على شعارات الأحزاب القائمة عقائدية فكرية يسارية كانت، أم على أحزاب تحمل شعارات دينية، ولا الاستناد كذلك إلى تنظيمات الحزب الواحد التي كانت على مدار سنين خلت هي الأحزاب الوطنية التي لايشق لها غبار، فثبت تجبرها وتغولها، ولكن ما ثبت أكثر من هذا هو هشاشتها وضعفها فتهاوت خلال أيام معدودة بعد أن حكمت سنين طويلة بهراوة الفساد ومؤسساته وشخوصه. فالتغير مردّه الشارع وما فيه من مواطنين في أغلبيتهم المطلقة من الطبقة الوسطى؛ عمالا وموظفين ومهنيين وباعة وتجار صغار الحجم، هذه الطبقة التي ذاقت الأمرّين مما لحقهم ولحق أحلامهم جرّاء سياسات اقتصادية فاشلة عليها، ولكنها ناجعة ناجحة لجيوب الفساد المستشري الضارب أطنابه في كلّ ما يمس حياة هذه الشعوب التي تولت زمام أمرها فكان ما كان، وكان ماهو كائن. لذا، فإنّ المتاجرة بالشعوب أجدى وأنفع من المتاجرة باللصوص، الذين استؤمنوا فخانوا.
وبالعودة إلى الشارع العربي الفاعل في رسم الحدث، نجد طبقتين؛ دنيا ووسطى في التصنيف الاجتماعي والاقتصادي، الأولى مشغولة بلقمة عيشها، ولا تجد واسع وقت للانشغال في كيفية التغيير على الرغم من أنها وقوده، كما أنها سماد في تربة الوطن، وتعلقها به. ومع ذلك فهي خائرة القوى لاتقوى على صلب عودها بعد أن استقوى عليها من لايخافون الله. أما الطبقة الوسطى فهي الدينامو والمحرك لمناشط المجتمع، وهي موجهة بوصلة الاستقرار في البلد لما تحمله من مسؤوليات ملقاة على عاتقها من نهوض الدولة وبنائها، وهي المنتج والمستهلك، وفيها الجنود المدافعون عن الأوطان، كما فيها الشرائح الأخرى التي تبني وتعمر وتعلم وووإلخ. هذه الطبقة تحديدا إن اهتزت وضمرت وتآكلت واندثرت فهو نذير شؤم على المجتمع كله، فإن هوت إلى مصاف الطبقة الدنيا فهذا يشير إلى عديد من التخلخلات التي ستقوض أركان الدولة وبقائها؛ فالأولى أن ترتفع الدنيا إلى مصاف الوسطى لا أن تسقط الوسطى إلى درك السفلى. وفي هاتين الطبقتين تجد المصطلحات والمفاهيم الوطنية هي السائدة. في حين توجد الطبقة الثالثة التي تتألف من أصحاب النفوذ السياسي والاقتصادي والمالي؛ وعند( بعض ) من أفراد هذه الطبقة كان مربط الخلل الذي يريد أن يفني الطبقة الوسطى بقصد أو بسوء إدارته حينا، وفي أحيان أخرى ما تفرزه فضائح الفساد المالي أولا والإداري ليس أخيرا، هؤلاء الذين حرصوا على تنمية ثرواتهم بالعديد من الأساليب والوسائل؛ بالسمسرة، والعمولات، والصفقات التي تستند إلى شرعة( حكّ لي أحكّ لك)، والسرقة والنهب بكل ما تحمل من معان، وبناء أهرامات وأبراج من العلاقات المشبوهة مع خارج حدود البلد ولو كان ذلك كلّه على حساب البلاد والأوطان.
لذا، يجب أن يُفهم أنّ الشعوب العربية كفيلة بالاستقرار والتنمية والدفاع متعاونة يستند بعضها إلى بعض ويعتمد بعضها على الآخر، في ظلّ شيوع مبدأ العدل والعدالة، وفي ظلّ ملاحقة العجول السمان والمتاجرين بالأوطان ومقدراتها، تحت مظلة النفع المشروع وتبادله، وتكامل المصالح بين الدول العربية، لا أن تنزوي كلّ دولة أو مجموعة دول على حالها وتدعي أن لاعلاقة لها بالأخرى، وإذ يقال مثل هذا، فلا يعني أننا نستقرىء تاريخا ساد وباد، بل نسرد ماهو كائن بعيدا عن التفسير والتأويل اللذين يجافيان الواقع المعاش رأي العين وسماع الأذن.