ونحن في خضم هذا الزمن الفصحي المجيد والذي يتزامن مع صوم شهر رمضان المبارك ، نعيش سوية أجواءا روحانية وقدسية مميزة ، تطلق في نفوسنا وذواتنا نسائم السماء ونفحات الحرية وعبق الصلوات وانطلاق الذات من قوقعة الأرضيات لتسمو بنا فوق كل الماديات وترهلات الحياة وعسر أيامها ،.
في هذا الزمن حيث تجليات القيامة وقهر سطوة الموت الجسدي وانبعاث روح الإنتصار فينا والتي تحررنا من فاه الجحيم وتجبر الهاوية ، وحيث تصوم النفوس وتترفع عن كل ملذات الطعام والشراب ورفاهية الأجساد في غوص روحي ومعركة جهاد حقيقية ضد مغريات هذا الكون وعفن ما تزينه لنا الدنيا من متاع زائل ما هو الأ كقبض ريح وكزهر عشب الحقل لا يلبث أن يذبل ويصير تبنا تنثره الرياح في وجه كل من يتبجح بثروة أو جاه أو مجد أرضي زائل لا محالة وإن طالت سنينه فما العمر سوى غبار أيام تتوالى وسباق حوافر تتزاحم من أجل اللآشيء الطامع في أن يحوز على كل شيء وعند النهاية لا يجد إلا سرابا وندما ودموع بكاء وكم تكون صعبة بعد فوات الأوان .
في هذا الزمن والذي علينا أن نجعل منه كينونة لا تغيب ، نترفع عن شهوات ومغريات تحيط بنا وتزين لنا كل المعطيات ، ونرنو خلاله إلى جعل أجسادنا هياكل طهر ونقاء بابتعادها عن كل ما يفسدها ويسيء إلى كينونتها ، فهذا هو المراد من صوم الطعام والذي لا يكتمل إلا بإتباعه بكل الفضائل وتجنيبه كل ما يوقع به من لسان غاش أو ضمير خائن أو كذب خادع أو سرقة أو زنى عين وقلب أو أكل حق يتيم أو نشر كل رذيلة وفوضى والقائمة تطول لو أردنا تعدادها وذكر كل تفاصيلها .
وهنا أتمنى على كل منا وفي هذه الأيام المباركة حيث تتحد القلوب والمشاعر وتتوحد النفوس في تضرع مهيب نحو خالقها ، وترفع الأكف في أدعية منبعثة من قلوب خاشعة ، حانية قلوبها وركب أجسادها ، تتقرب نحو صانع الكون بأن يتحنن ويمنح العالم السلام والأمان واستقرار النفوس وإبعاد الشر وحفظ العباد من كل خطر وضيق وخوف وشدة ، وحيث نسأل الله أن يحفظ البلاد وساكنيها من كل شر وشبه شر ويعطينا الثمار والزرع والخير العميم .
كم جميل أن نتذكر دوما بأن رحلة العمر قصيرة وسواد النفوس مؤلم والقلوب الحاقدة ما هي إلا أداة ترتد على من يغذونها فتقتلهم بدم بارد دفين مثل السوس عندما ينخر ساق الشجر فيحيله حطبا هامدا لا يصلح سوى للنار تأكله على مهل ، فليتنا ننقي ذواتنا من زوان الكره ورفض من لا يوافقوننا الرأي والمسير ، وأن نكون مثل ثوب أبيض يعكس جمال الضوء وإشراقة الروح كلما دقت الأجراس أو نادى المؤذن في دعوة لخلوة مع رب الكون ومع ضمائرنا التي علينا أن نعيد جرد حساباتها كل حين حتى لا يعلوها الصدأ وتتآكل وقبل أن يفوت أوان الصلاح والتوبة واستعادة طهر النفوس وإصلاح كل اعوجاج أصابها .
فلنتمنى دوما الخير للجميع دون استثناء ولنطلب الرحمة لكل محتاج ولنشارك في حمل أتعاب بعضنا بعضا ، ولنعط ثوبا للمحتاج وطعاما لكل جائع ، ولتقدم مما لدينا متقاسمين مع كل من ضاقت بهم الحياة ، فالإنسانية لا تعرف مذهبا ولا طائفة ولا حزبا ولا عشيرة ، هي عنوان يشملنا جميعا فلنترفع في تعاملنا مع تفاصيله ولنرقى فوق كل المسميات .
زمنا من الرحمة والمغفرة والعودة الحقيقية نحو الإيمان وصلاح النفوس أتمناها للجميع في وطني وفي أرجاء الكون قاطبة ، وأعيادا تبزغ بفجر جديد من التصالح والنقاء وصدق الأقوال والأفعال حتى نصل إلى صلاح الحال واستقامة المجتمعات وغنى الروح والإنسان .