مهدي مبارك عبد الله - على الرغم من أن الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي كان من المزمع إجراؤها نهاية شهر أيار المقبل مثلت استحقاق وطني ملح طال انتظاره على مدار 15عام خلت وانها كانت املا ومدخلا لإنهاء الانقسام وبوابة مشرعة للتوافق الفلسطيني وفرصة سانحة لطي صفحة الخلاف وتجسيد الوحدة الفلسطينية وبناء واقع سياسي جديد الا انه وكما كان متوقعا او مخططاً له وبالتزامن مع أول أيام الدعاية الانتخابية وقبل نشر الكشف النهائي للقوائم والمرشحين ( 36 قائمة تخوض الانتخابات )
اجتمعت القيادة الفلسطينية مساء الخميس الماضي بمشاركة عدد من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وقررت بأن الانتخابات التشريعية القادمة لن تجري في ( الضفّة الغربية وقطاع غزة ) إلا إذا سمحت إسرائيل بتنظيمها أيضا في القدس الشرقية وبناء عليه تم تأجيلها الى أجل غير مسمى استنادا الى رسالة إسرائيلية موجهة للرئيس عباس تقول ( ناسف يا جيراننا الأعزاء أننا لا نستطيع أن نعطيكم جواباً بشأن القدس السبب ليس لدينا حكومة لتقرر )
السلطة الوطنية الفلسطينية حاولت بالطرق الدبلوماسية الحصول على أي التزام أوروبي للضغط على إسرائيل لتوافق على إجراء الانتخابات في القدس لكنها لم تنجح وبالتالي فان تأجيلها في هذا الوقت الحساس وبهذه الطريقة ستكون له انعكاسات وارتدادات سلبية وتداعيات في منتهى الخطورة في مقدمتها تكريس للواقع الصعب وحالة لانقسام والاوضاع الانسانية الكارثية في غزة والضفة واستمرار حالة القطيعة بين حماس وفتح وبقاء التفرد والاستبداد النفوذ والسيطرة ( لذات الطبقة السياسية ) التي تتحكم في مصالح وحقوق المواطنين الفلسطينيين
تأجيل الانتخابات دون توافق بين الفصائل بدعوى رفض الاحتلال إجراءها في القدس على اهميتها وخطورتها الا انها تعطي الاحتلال على طول المدى ( فيتو دائم ) لتعطيل أي انتخابات مقبلة وفيه رضوخ غير مبرر وتسليم بسطوة الغطرسة الإسرائيلية على القدس واعتراف ضمني بأن القدس بالفعل أصبحت عاصمة لإسرائيل وليست مدينة فلسطينية محتلة كما انه يساهم في منع إعادة بناء وتوحيد مؤسسات الدولة واعادة تصويب النظام السياسي الفلسطيني البنيوي الذي يعاني من العجز والترهل والشيخوخة عبر السنوات الطويلة الماضية
ما يستدعي التلاقي والتفاهم العاجل على أسس الشراكة والديمقراطية وسيادة القانون واحترام ارادة الشعب خاصة في ظل عدم وجود مجلس تشريعي منذ أن قام الرئيس عباس بحله عام 2018 مما يعني دخول المشهد الفلسطيني في نفق مظلم مع عدم وجود رؤية جديدة لتشكيل حكومة وحدة وطنية او وضع استراتيجية نضالية شاملة للضغط على إسرائيل بشأن الانتخابات لأن ( القانون الدولي يعتبرها سلطة احتلال عسكرية لا تملك حق عرقلة أو منع عقد الانتخابات العامة في القدس أو في أي منطقة من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 )
وتحدد المادة السادسة ضمن الملحق الثاني من اتفاقية المرحلة الانتقالية للعام 1995 ترتيبات الانتخابات الفلسطينية في مدينة القدس الشرقية وهي تمثل المرجع الذي تم بناءً عليه إجراء الانتخابات التشريعية في 1996 وفي 2006 وكذلك الرئاسية في 2005
يعزى تأجيل الانتخابات الفلسطينية إلى أسباب مختلفة لكن ما يبغي افهمه جيدا بان قرار التأجيل لا يتعلق فقط ( بإسرائيل ومعضلة القدس ) او بتعثر جهود الوساطة الأوروبية الحقيقة الثابتة و التي لامجال لإخفائها هي ان حركة فتح تواجه تحديات كبيرة على المستوى السياسي سيما بعد إغلاق أفق التسوية ووجود حكومة يمينية تحكم دولة الاحتلال إضافة الى التحولات السلبية في الموقف الأمريكي في زمن الرئيس السابق دونالد ترامب
كما ان هنالك العديد من التحديات الداخلية على المستوى التنظيمي داخل فتح تجلت في بروز عدة قيادات غير منسجمة مع خط فتح السياسي الحالي وقد عبرت عن ذلك بالاعتراض على توجهات فتح وقياداتها بإيجاد قوائم بديلة أو موازية لقائمة فتح الرئيسية التي يمثلها الرئيس عباس وكل هذه التحديات الخارجية والداخلية تشكل عقبة كبيرة أمام استمرار تسيد فتح للمشهد السياسي الفلسطيني في الحاضر والمستقبل ناهيك عن بدء سريان الشكوك وتعميم عدم الثقة لدى الكثيرين حول جدية القيادة الفلسطينية في إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنيّة وبناء منظمة التحرير الفلسطينية وأن عدم تحديد موعد جديد للانتخابات يعني أنها قد لا تجرى في المدى المنظور
وفيما تعتبر معضلة التصويت في القدس على رأس الأسباب التي تسوقها الأطراف الداعية والمؤيدة للتأجيل والرافضة لمقترحات ( وسائل التصويت البديلة ) باعتماد الشوارع والمدارس والمساجد والكنائس بما فيها المسجد الأقصى وكنيسة القيامة او القنصليات الأوربية التي تقدم خدمات للفلسطينيين صناديق ومراكز اقتراع وفي الغرف المغلقة يتحدث مراقبون بموازاة ذلك عن أسباب سياسية أخرى تعزز تلك المطالب على رأسها الانقسامات الداخلية وموازين القوى المرتبطة بالانتخابات وخشية حركة فتح من خسارة الانتخابات مجددا وفوز حماس بأغلبية ساحقة مرة اخرى تحصل من خلالها على الشرعية أمام العالم وربما هي السبب الرئيسي لقرار التأجيل بعد استطلاعات خاصة أجرتها مؤخرا حركة فتح وتشي بذلك كما انه سادت تقديرات افظع باحتمال خسارة فتح للسلطة في حال إقامة حكومة بمشاركة قوائم " حماس " و" المستقبل " و" الحرية"
وفي ظل زيادة تعقيد المشهد السياسي الفلسطيني وازمة فتح الداخلية المتوالدة استبعد مختصون حصول الحركة على الأغلبية في هذه الانتخابات بعد تأكد منافسة 3 قوائم على الصوت الفتحاوي الواحد وهي قائمة "حركة فتح" الرسمية المدعومة من رئيس السلطة محمود عباس وقائمة " المستقبل " المدعومة من القيادي المفصول محمد دحلان وقائمة الحرية " التي تمثل القيادي المفصول من فتح ناصر القدوة والأسير مروان البرغوثي
اضافة الى ان هنالك بعض الدول الاقليمية الوازنة لا ترغب بإجراء الانتخابات الفلسطينية لأنها لا يريدون للانقسام الفلسطيني أن ينتهي كما ان الولايات المتحدة الأميركية أعطت إشارات واضحة للقيادة الفلسطينية بأنها ( تتفهم عدم إجراء الانتخابات ) كمقدمة للتشجيع على الغائها او تأجيلها وأن هناك أصواتا في اللجنة المركزية لحركة فتح كانت تسعى بكل ثقلها لعدم إجراء الانتخابات أبرزها حسين الشيخ وعزام الأحمد
حتى ما قبل قرار التأجيل كانت كل من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين والمبادرة الوطنية الفلسطينية وحركة "حماس" وحركة "الجهاد الإسلامي" رغم مقاطعتها للانتخابات ترفض تأجيل الانتخابات وتعتبره استحقاق واجب لتجديد شرعية النظام السياسي وتصر على خوض الانتخابات في القدس كمعركة مقاومة شعبية رغماً عن الاحتلال
في المقابل أصرت فصائل أخرى مثل جبهة النضال الشعبي وحزب الشعب وجبهة التحرير الفلسطينية والجبهة العربية الفلسطينية وجبهة التحرير العربية على تأجيل الانتخابات لأنها لم تنجح في تشكيل قوائم انتخابية لها ما يعني أن وجودها في منظمة التحرير وتحديدًا في اللجنة التنفيذية للمنظمة وهي أعلى هيئة فلسطينية لصنع القرار سيكون مهددا بالزوال
قرار التأجيل أمر محفوف بالمخاطر وقد اعتبر الخيار الأسوأ والاكثر ضرر بالقضية الفلسطينية والذي فجر أوسع اصطفافٍ وطني وشعبي رافض وفرض غضب فلسطيني غير معهود ترجمته بيانات الرفض الصادرة من الفصائل والقوائم المستقلة والمسيرات الاحتجاجية التي سبقته في الضفة الغربية وأعقبته في غزة فيما أصدرت مختلف القوى والعديد من الشخصيات والمؤسسات بيانات تنديد واستنكار متواصلة بالتأجيل ومطالبين بإقامتها وجعل معركة القدس في قلبها والتوافق على برنامج وطني لمجابهة الاحتلال في ظل استمرار حصار غزة وتصاعد الملاحقاتٍ والاعتقالاتٍ وهدمٍ البيوت وتمدد الاستيطان في القدس وعموم الضفة الغربية وما يجري من اقتحامات للمسجد الأقصى وعدوان على أحياء القدس وتغول المستوطنين على ممتلكات الفلسطينيين وحقوقهم
البعض رأى في قرار الرئيس الفلسطيني تأجيل الانتخابات بذريعة عدم السماح بإجراء التصويت في القدس عملية هروب من الاستحقاق الديمقراطي وغطاء للتأجيل وشماعة سياسية لتبرير موقف تتفق ضده بعض الفصائل الفلسطينية والتي تسود قناعة جازمة بينها بأن التعلل بالموقف الإسرائيلي لا يعدو أن يكون سوى مناورة للتملص من الالتزام بموعد حدده الرئيس عباس بنفسه وهو سلوك تعسفي لمصادرة الحقوق السياسية للمواطنين
يذكر بان آخر انتخابات تشريعية جرت في العام 2006 فازت حركة حماس فيها بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي وقد كانت الانقسامات الداخلية في حركة فتح عاملا رئيسيا في خسارتها كما انه كان من المفترض أن تجرى الانتخابات الفلسطينية على ثلاث مراحل خلال العام الجاري تشريعية في 22 أيار المقبل ورئاسية في 31 تموز والمجلس الوطني في 31 آب
mahdimubarak@gmail.com