لقد انبرى عدد من الكتاب في الصحافة الالكترونية خلال الفترة الماضية إلى كيل التهم النظرية للتعليم العالي دون أن يقدموا أي حلول أو أفكار مبتكرة تساعد على تحجيم المشكلة التي يطرحونها ، وإنما جميع ما تم عرضه أفكار مستنسخة يتم عرضها بصور مختلفة وبأسلوب سردي مختلف .
عندما نقول أن التعليم العالي يعاني مشكلة في العمق فهو يعني الأساس الذي يقوم عليه التعليم العالي وهذا يعني أن المنظومة التعليمية مهددة بالانهيار في أي لحظة نتيجة العطب الذي أصاب هذه الأساس الذي لا يمكن ترميمه أو إصلاحه بشكل جذري . هذا التصوير اللفظي غاية في المبالغة وعدم طرح المشكلة بكافة أبعادها الحقيقية وتحميل كل ركن من أركان العملية التعليمية مسؤوليته الكاملة عن المشكلة .
عندما نقول أن البنية التشريعية أو القانونية التي تحكم عمل الجامعات موجودة منذ القدم مع بعض التعديلات أو التغييرات التي تطرأ عليها بين فترة و أخرى لمواكبة المستجدات والتطورات الدولية في هذا المكان ، وأنا اعتقد جازماً أن ظهور هيئة الاعتماد الوطنية كانت الغطاء القانوني والرقابي على تطبيق الأسس والمعايير التي تحكم العملية التعليمية ، والتأكد من جودة مخرجاتها وفقاً لتلك المعايير .
هناك مبالغة في تحجيم الدور الذي تلعبه الجامعات الخاصة في بلادنا رغم أهدافها الربحية التي تبرر عملها في الظاهر ، رغم أن هذا المبرر أصبح هو المحرك الرئيسي عند تحديد الرسوم الجامعية في بعض الجامعات الحكومية ، بل على العكس أصبحت الجامعات الخاصة أقل تكلفة من الدراسة في جامعات حكومية ، كما أن تلك الجامعات أصبحت جاذبة للكفاءات من أعضاء هيئة التدريس من الجامعات الحكومية بسبب الحوافز المالية التي تقدمها بسبب مضاعف الاستثمار الذي يمكن تطبيقه في هذا المكان ، بل اعتقد أن بعض الجامعات الخاصة تقدم مستوى علمي متميز أفضل من معظم الجامعات الحكومية في بلادنا خاصة تلك التي تبتعد عن مركز رأس المال \" عمان \" .
الجامعات الخاصة أتاحت فرصة تطوير الذات والترقي وتحسين المستوى التعليمي لكثير من الطلاب الذين لم يحالفهم حظ الحصول على قبولات تنافسية في الجامعات الحكومية ، وهذا له أكبر الأثر على المقدرات الاقتصادية وتقليل تسرب الدخل القومي إلى الخارج ، وكذلك التكلفة النفسية والاجتماعية التي يتحملها الطالب أثناء سفره للخارج . هذا الخارج الذي ليس بأفضل حالاً من جامعاتنا ، وبصدق لو أصبح لي القرار لما سمحت لطالب أردني الالتحاق بأي جامعة خارج الأردن ، وهذه قومية واعتزاز بمستوى التعليم في جامعتنا ، خاصة لما لم يعرف عن مستوى التعليم في الدول الأخرى المجاورة والبعيدة أيضاً والتي تفوقنا إمكانيات وموارد .
يقسم ملف التعليم العالي إلى قسمين الأول يتعلق بالدراسات العليا واعتقد أن عملية وقف القبول لبعض البرامج أو تحديد التخصصات التي يجب تدريسها في الجامعات أو تقليل الطاقة الاستيعابية فيها ، وحتى السماح لذوي المقبول بالدراسة ، قضايا اعتماد الجامعات الخارجية والتخصصات ومدد الإقامة تتسم بالمرونة والتغيير وفقاً لمقتضى الحال في الجامعات ، وترتبط بمدى انسجام ذلك مع السياسة التعليمية العامة في المملكة ، رغم أن خريجو الدراسات العليا من الجامعات الأردنية ممن يعملون في الخارج لديهم تميز علمي تشهد له الجامعات التي يعملوا لحسابها ، ومن الحقائق الأخرى في هذا المكان والتي نسمعها يومياً أن أصحاب الشهادات الأردنيين لديهم ميل للعمل خارج الأردن أقل من نظرائهم في بقية الدول ، لذلك تقوم تلك الجامعات بتأمين البديل الأقل مستوى وتكلفة من نظيره الأردني .
أما التعليم الجامعي فهو لب الموضوع خاصة فيما يتعلق بعملية القبول التي يشوبها الكثير من التشويه في طريقة الحصول على المقعد الجامعي ، وخاصة إن معدل الثانوية هو الأساس في تحديد هذا القبول ، لذلك يجب أن يتم الربط بين الرغبة والقدرة في الدراسة مع بعض المعايير المهنية الأخرى لتعظيم الاستفادة من هؤلاء الخريجين ، ومن توجهاتهم الدراسية التي تحكمها المقدرة والرغبة أكثر من المعدل ذاته .
في السعودية تبلغ موازنة جامعة الملك سعود الرسمية ما يقارب 2 مليار دولار وهناك الكثير من الكراسي والمنح البحثية التي تصل إلى 0.6 مليار دولار ، وإذا أمعنا في هذه الحقائق نجد أن ما تحقق في بلادنا من تطور ونمو يعد كبيراً جداً قياساً لموارده المتاحة ، ورغم ذلك فنحن لدينا حضور قوي على الساحة التعليمية العربية والإقليمية ، يجب أن لا نبخسه حقه .
لا بد أن نعترف بان هناك خلل في المستويات الإدارية العليا التي تدير وتشرف على ملف التعليم العالي في بلادنا ، فليس هناك منهجية أو مؤسسية في عملها بل تحكمها المزاجية والكثير من التغيرات التي ترتبط بالتغيرات التي تحيط بها ، رغم أن وزير التعليم العالي من الكفاءات الوطنية التي نعتز بها .
الدكتور إياد عبد الفتاح النسور
جامعة الخرج
Nsour_2005@yahoo.com