زاد الاردن الاخباري -
نشرت مدونة ديوان التابعة لمركز كارنيجى مقالا لوزير الخارجية الأسبق والكاتب مروان المعشر، يقول فيه إن طرح النهج الحقوقى لا يقل أهمية عن النهج السياسى (حل الدولتين) لتحقيق شكل الدولة الفلسطينية، خاصة مع تعقد مسألة حل الدولتين فى ظل ازدياد انتهاكات إسرائيل ضد الشعب الفلسطينى وضم المزيد من الأراضى بغطاء أمريكى… جاء فيه ما يلى:
قبل أربعة أعوام، فى مارس عام ٢٠١٧، نشرت منظمة الإسكوا التابعة للأمم المتحدة تقريرا اتهم إسرائيل بممارسة نظام فصل عنصرى أو ما يُدعى بالأبرتهايد ضد الفلسطينيين والفلسطينيات. وبعد نشره بيومين، طالبت الأمم المتحدة والولايات المتحدة رسميا بسحبه، وتعرضت آنذاك الأمينة التنفيذية للإسكوا الدكتورة ريما خلف لضغوط من الأمين العام للأمم المتحدة من أجل سحب التقرير. اعتبرت الدكتورة خلف ذلك تدخلا سياسيا فى تقرير بحثى، اعتمد على معطيات قانونية أعدها خبراء دوليون مرموقون، وقدمت على إثره استقالتها إلى الأمين العام للمنظمة الأممية.
إن اتهام أى دولة فى العالم بتطبيق نظام فصل عنصرى أمر فى غاية الخطورة لما يترتب عليه من تبعات قانونية وعقوبات دولية تستوجبها القوانين الأممية، كما تقتضيها الاعتبارات الإنسانية والحقوقية. ولذلك، من الطبيعى أن تقف الولايات المتحدة، كما العديد من دول العالم وبخاصة الغربية منها، ضد مثل هذا التوصيف لإسرائيل.
ومنذ بداية العملية السلمية فى مدريد واعتماد إطار أوسلو كمرجعية للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وجد المجتمع الدولى ذريعة ملائمة لتجاهل، ليس فقط انتهاكات إسرائيل للقوانين الدولية واحتلالها غير المشروع للأراضى الفلسطينية، وإنما تطبيقها نظامين قانونيين منفصلين داخل الأراضى التى تسيطر عليهاــ واحد يطبق على الإسرائيليين والإسرائيليات اليهود، والآخر يطبق على الفلسطينيين والفلسطينيات، أولئك الذين تحت الاحتلال الإسرائيلى، كما أولئك الفلسطينيين والفلسطينيات العرب الذين يحملون الجنسية الإسرائيليةــ وهو التعريف القانونى لنظام الفصل العنصرى «الأبرتهايد». وكانت حجة المجتمع الدولى غير المعلنة أن مثل هذه الانتهاكات ستصبح غير ذات معنى متى تحقق حل الدولتين، ونشأت الدولة الفلسطينية المستقلة وأُنجز الانفصال بين الشعب الفلسطينى والشعب الإسرائيلى.
***
لكن الرياح جرت بما لا تشتهى السفن. فبعد نحو ثلاثين عاما على إطار أوسلو، أصبح حل الدولتين أقرب إلى المستحيل، وتعمقت الانتهاكات الإسرائيلية، وزاد عدد المستوطنين والمستوطنات فى الضفة الغربية والقدس الشرقية من مائتين وخمسين ألفا إلى أكثر من سبعمائة ألف مستوطنة إسرائيلية، وأقرت إسرائيل قانونا للقومية اليهودية يجعل سكانها من العرب، مواطنين ومواطنات من الدرجة الثانية قانونيا، وليس فعليا فحسب. وقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو فى العديد من المناسبات عدم نيته الانسحاب من الأراضى الفلسطينية المحتلة، أو القبول بإقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة، بل عمل بشكل وثيق مع الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، على ضم المزيد من الأراضى المحتلة بغطاء أمريكى وقتل حل الدولتين الذى ينادى به المجتمع الدولى.
من جانبه، تشبث جيل أوسلو الفلسطينى بحل الدولتين، لأنه من وجهة نظره يُحقق الدولة الفلسطينية، وينهى الاحتلال الإسرائيلى، ويسمح بتطور المؤسسات الفلسطينية وتطوير الهوية الفلسطينية المستقلة. إلا أن التركيز على شكل الحل من المجتمع الدولى، بدلا من موضوع الحقوق، أدى إلى الوضع الحالى، إذ بات العديد من أبناء وبنات الجيل الجديد الفلسطينى، الذى ولد معظمهم بعد اتفاقية أوسلو، لا يهمهم دولة دون حقوق، بعدما أصبح واضحا أن الدولة لا تضمن الحقوق إن بقيت شكلا دون مضمون، لا فى فلسطين ولا فى غيرها، بينما سيؤدى تحقيق الحقوق إلى إقامة دولة ديمقراطية على أسس متينة.
إن كانت الشمس الحقوقية قد تم تغطيتها بغربال سياسى دولى، تشير المعطيات الحالية أن هذا الغربال ما عاد قادرا على منع منظمات حقوقية وبحثية دولية اليوم من الوصول إلى استنتاج صارخ بأن ما تقوم به إسرائيل ليس ممارسات فردية أو منعزلة تنتهك حقوق الإنسان هنا وهناك، بل هو جزء من منظومة إسرائيلية عنصرية. كما أن هذه الممارسات، من هدم للبيوت وإقامة المستوطنات وتشريع مبنى على أسس عرقية وإدامة الاحتلال لأكثر من نصف قرن وغيرها، هى جزء من نظام فصل عنصرى حسب التعريف القانونى لمثل هذا النظام السياسى.
وقد صدرت خلال الأشهر الماضية، تقارير حقوقية وبحثية عديدة من منظمات دولية تقع فى صلب المشهد الدولى. فقد نشرت أكبر منظمة إسرائيلية لحقوق الإنسان داخل إسرائيل «بيتسيلم»، تقريرا فى شهر يناير من هذا العام يقول إن ما تمارسه إسرائيل من سيادة يهودية على الأراضى من النهر إلى البحر هو الأبرتهايد بعينه. ثم تبع ذلك تقرير مركز كارنيجى فى العشرين من شهر أبريل الماضى، وهو من أهم وأحد أعرق مراكز البحث فى الولايات المتحدة، يطالب الإدارة الأميركية باعتماد مقاربة تعتمد على الحقوق المتساوية للفلسطينيين والفلسطينيات والإسرائيليين والإسرائيليات، ويصف أيضا الممارسة الإسرائيلية داخل الأراضى التى تسيطر بأنها تُماثل نظام فصل عنصرى. وأخيرا، صدر تقرير منظمة «هيومن رايتس واتش» ــ وهى من أكبر منظمات حقوق الإنسان الدولية ــ لتؤكد هى الأخرى أن إسرائيل تمارس نظام فصل عنصرى بكل ما فى الكلمة من معنى.
***
نشهد اليوم بداية تكوين كتلة حرجة، أممية وحقوقية وبحثية، تنعت السياسة الإسرائيلية بالعنصرية. وهى كتلة لم تعد تقتصر على منظمات تُتهم بالتعصب فى بعض الأحيان، ولكن من منظمات معروفة دوليا وتتمتع بمصداقية عالية. وفى حين لم يجد هذا التوصيف طريقه بعد للمجال السياسى، فما من شك أن ذلك سيتحقق بوتيرة متزايدة من الآن فصاعدا.
نعيش اليوم فى زمن باتت المجتمعات فيه تُولى قدرا أكبر من الاهتمام لموضوع الحقوق المتساوية وعدم جواز الاضطهاد المؤسسى بأى شكل من الأشكال. وما حادثة قتل المواطن الأمريكى الأسود فلويد جورج على يد شرطى أبيض فى ولاية مينسوتا وما أحدثته من ردود فعل قوية من المجتمعين الأمريكى والدولى، إلا دليلا اضافيا على أن المجتمع الدولى فى طريقه لإيلاء موضوع الحقوق أهمية متزايدة.
من هنا تكمن أهمية التركيز على الحقوق الفلسطينية وعلى مقاومة النهج العنصرى الإسرائيلى، وذلك بالتوازى مع دفع المسار السياسى لتحقيق الفلسطينيين والفلسطينيات لتطلعاتهم الوطنية. لا بد من التأكيد هنا أن اعتماد المسار الحقوقى ليس بديلا عن المسار السياسى، وهو يتماشى مع أى شكل للحل، سواء كان حلا معتمدا على أساس الدولتين أو الدولة الواحدة. إنه ببساطة إدراك بأن المسار السياسى الذى لا يرتكز على الحقوق لن يؤدى إلى تحقيق تطلعات الفلسطينيين والفلسطينيات لدولة مستقلة ذات سيادة كاملة، لا يقل وعاؤها الحقوقى والإنسانى أهمية عن شكلها السياسى.
لقراءة المقال كامل هنا