بطلان الإعتراضات على موقع الكلية العسكرية: احتدام الجدل حول مشروع إنشاء كلية عسكرية في غابات برقش بجبل عجلون، وظهور انشطة ملموسة لأنصار البيئة بقصد التصدي لهذا المشروع ، رغم معارضة أهالي المنطقة لكل التدخلات بشأن موقعها الذين يأملون معه تحسين أوضاعهم بحال تنفيذ خطواته ، يعد ظاهرة حسنة ويدل على رفعة شأن الديموقراطية في الأردن بعد أن أصبح بمقدور الناس إبداء آرائهم بحرية مطلقة في المسائل العامة ، حتى لو تعلق الأمر بشأن عسكري تهاب شعوب المنطقة مجرد النظر اليه ولو بعين الفضول . أما أن يصل الجدل الى حد المبالغة في القول بأن إنشاء الكلية العسكرية يؤدي الى تعريض بيئة المنطقة الى خطر ملموس على نحو يتهدد حياة الحيوانات البرية التي تعيش بسعادة مطلقة وسط هذه الغابات الجميلة ، فهو أمر مردود لأننا نكون في جدالنا هذا قد صنعنا من الحبة قبة ، كما يقول الناس في أرض الكنانه. ولعل الأخطر من هذه الصناعة اللفظية هو الإدعاء المجحف بأن إنشاء الكلية على نحو يتسبب بقطع ثلاثمائة شجرة حرجية ، يشكل مخالفة ظاهرة لحكم القانون لايصح السكوت عنها. ورغم احترامي الشديد لآراء القائلين بهذه المخالفة القانونية وتقديري للجهد المبذول في المقالات المنشورة بهذا المعنى ، إلاّ أنني أبدي اعتراضي على ماذكر لإعتقادي بأن التشريع لايقف حجر عثرة دون إنشاء كلية عسكرية على أراضي الدولة ، ولعل كل ماقيل بشأن وجود مخالفة قانونية في التنفيذ ،لا محل له من الصحة. فالمادة 28 من قانون الزراعة الأردني المؤقت رقم 44 سنة 2002 التي اعتصم بها القائلين بوجود مخالفة قانونية لاتنطبق على موضوع الكلية لأن هذه المادة تقول : \"على الرغم مما ورد في أي تشريع آخر: - أ-لا يجوز تفويض الأراضي الحرجية إلى أي شخص أو جهة أو تخصيصها أو بيعها أو مبادلتها مهما كانت الأسباب....الخ\". أي ان معايير المنع هنا تقوم على تحقق حالة تفويض أو تخصيص أو بيع أو مبادلة لأرض حرجية الى شخص أو جهة من الجهات عدا المالك. وهنا لايوجد أي تخصيص او تفويض او بيع أو مبادلة ، وإنما يوجد ممارسة حق من قبل المالك في ملكه ، والمالك هو الدولة التي يشكل الجيش ركنا من اركانها الأساسية ، وعندما يمارس المالك صلاحياته على ما يملك لايكون مفوضا أو مشتريا أو مستبدلا أو حاصلا على تخصيص من شخص آخر. ولعل صاحب البحث هنا قد تجاهل أهمية قانون القوات المسلحة لعام 2007 الذي يحكم هذه الحالة بكل تفاصيلها حيث جاء في المادة 11 منه : يتولى المجلس الصلاحيات التالية:- \" أ-رسم السياسة العامة للقوات المسلحة ووضع الخطط والبرامج اللازمة لتنفيذها. ب-تحديد احتياجات القوات المسلحة وطرق تلبيتها. ج-دراسة المتطلبات الدفاعية والامنية والحالات الطارئة وتقديم التوصيات المناسبة بشأنها الى القائد الاعلى. د-اتخاذ الاجراءات اللازمة لتطويــر عمل القوات المسلحة وقيامها بواجباتها.\" والمقصود بالمجلس هنا مجلس الدفاع المحدد أعضائه بموجب المادة 10 من ذات القانون على انه يشكل برئاسة وزير الدفاع وعضوية كل من وزراء الداخلية والخارجية والمالية ومدير المخابرات العامة ورئيس هيئة الأركان بالإضافة لعضوين آخرين من كبارضباط القوات المسلحة. وهنا يتضح أن وضع الخطط واتخاذ الإجراءات اللازمة لتطويــر عمل القوات المسلحة بما في ذلك إنشاء المدارس العسكرية وإجراء التدريبات وغيرها من أعمال القوات المسلحة وأنشطتها المعتادة ، يبقى أمرا منوطا بلجنة الدفاع المخولة بحكم القانون في اختيار الموقع الملائم لمنشآتها وتدريباتها على أراضي الدولة كيفما تشاء . ولا ننسى هنا نص المادة 21 من هذا القانون وقد جاء فيها: لا يطبق أي نص في أي تشريع اخر تتعارض احكامه مع احكام هذا القانون. الأمر الذي يتضح معه بطلان كافة الاعتراضات على وجود الكلية العسكرية في برقش سيما وأن المزاعم المتعلقة بتلويث البيئة هي مجرد ذرائع لا أساس لها من الصحة وكان حريا بأصحاب هذه المزاعم حسن التوجه بمعاولهم الى الأراضي الأردنية الخالية قرب منازلهم والمبادرة لغرس المئات والملايين من أشجار الزيتون دائمة الخضرة تحسينا للوضع البيئي ونفعا للأمة فيما لو كان أحدهم جادا ونزيها في أقواله. يبقى أمر الحيوانات الموجودة بهذه الغابات الجميلة وأشهرها الثعالب التى يدعى مفردها عند أهل المنطقة (سالول) وقد اشتق اسمه من قدرته الفائقة على التسلل الى مضاجع طيور الفلاحين مهما كانت حراستها مشددة ، ثم يستلها بخفة وبراعة من أوكارها، ليقضم منها قضمة لا تبقي ولا تذر. والسالول قد يقلق فعلا إذا لجأ الجيش الى استخدام المدافع في تدريباته ، غير أن قلقه هذا سرعان ما يزول، ويهدأ طبعه حتى لو اطلق بجانبه الف مدفع ، إذا بادر الجيش الى القاء بقايا الخبز اليابس تحت الأشجار، سيما وأن السالول شغوف جدا بهذا الخبز اللذيذ ذو الشكل الرباعي الأبعاد واللون الأشقر، بعد أن سئم من أكل خبز الفلاحين المعروف بلونه الداكن وشكله المكرر .
.almomanilawyers@hotmail.com