جَوْعَى ابتاعوا خُضارهم من جَوْعَى ، ليبتاعها منهم جَوْعَى ، ويطعموا حجارةً على البطون جَوْعَى ، فيأتي جَوْعَى ويصادروا خُضار الجَوْعَى ، فتُتلَفُ في صناديق للرزق جَوْعَى ، وذلك على مرأى من عجوزٍ جيوبه جَوْعَى ، كان ينوي شراء بعضاً من الخضروات الذابلة الجَوْعَى ، من بائع على الإسفلت زوجته في البيت جَوْعَى ، لخمسة أفمامٍ منذ سبع عجافٍ جَوْعَى ، وهم ينامون كلّ ليلةٍ جَوْعَى ، يُدلي العجوز الدِلاء في جُبّ الجيب فترجع الدِلاء جَوْعَى.
مشاهد "البسّطات" على قارعة الطريق فعلاً هي مشهد فوضويّ بكافّة تفاصيله ، خاصةً وإن كنت تبصرها من خلف شبّاك سيارة من نوع "تيسلا" ، أو من مرآة الوسط وأنت تجلس في المقعد الخلفي "للاند كروز" المختوم على مؤخّرتها (النُمرَة) باللون الأحمر ، وما يزيد بشاعة هذا المشهد هو ضجيج الباعة الصائمين الذي كلّما تذكّروا "أطفالهم الجَوْعَى" اعتلى أزيز أصواتهم محاولين بيع ما لديهم من "بسّطات" جَوْعَى ، هذا الضجيج الذي قد يتسلّل من الشبّاك الجانبي لسيارة ال "تيسلا" ، ويعرقل سير مكالمة هاتفية كان يتمّ من خلالها التباحث مع الأبناء حول "البراند" الذي سيتمّ شراء "كسوة العيد" منه ، أو أخر المستجدات حول الدولة الاوروبيّة التي سيتمّ قضاء عطلة العيد فيها .
الصناديق الخفيفة التي ما عاد يتحمّلها الرصيف الثقيل ، والعربات الحديديّة التي يجرّها كلّ كَهَل بائس وكلّ شاب يائس ، و مظلّات القماش المرقّعة كثوبٍ عتيق ، وأكواخ القشّ التي هي أبواب رزقهم في الصيف وحطب مواقدهم في الشتاء ، وزوايا أصواتهم التي يطيّرونها كل صبحٍ إلى الله ، هذا الألبوم من الصور هو بالتأكيد مشهد مزعج لمرايا مركباتكم وشبابيكها المُعتمة ، وثقيل على ذاكرة هواتفكم التي لم تتعرّف يوماً على صوت أحد الباعة المطحونين ، هذه الصور اليوميّة الكبيرة هي حيّز ضخم من الكرامة لا تتسع له جدران مكاتبكم .
تلك "البسّطات" الممتدّة على طول رصيف الوطن ، تتستّر على شوارع كلّ واحد فيها شاهد على قضية فساد ، أو على عطاءٍ مشبوهٍ لأحد الوثّابين والمتنفّعين ، هذا الإسفلت الذي تُزاحِمُ الحكومة "قُصّاد الله" عليه ، في كلّ شتاءٍ يدلُق أمطار الله في شوارعه المتهالكة ، مُداهمةً فُتات بيوتٍ لباعةٍ تحت مزاريب المطر جَوْعَى ، ويبتلعُ أرواحاً للعدالة الإجتماعيّة جَوْعَى . ما أبشع أن تُقترَف الجرائم بإسم القانون و تحت عدسة النهار ، وما أقسى أن تُقذَف أرزاق الله في شاحنات وكأنها "نفايات" ، لا أجوَعَ وأبشع من أولئك المُتخَمين بالسلطة والسطوة ، أمّا أولئك الذين ابتلاهم الله بنقصٍ في الأموال فستبقى بيوتهم عامرة بالكرامة والكَرَم والعفّة .
المحامي
حمزة عيسى الفقهاء