زاد الاردن الاخباري -
تتجه الأنظار إلى العاصمة السعودية الرياض، حيث تحط فيها طائرتا وزير خارجية تركيا، مولود جاويش أوغلو، وأمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني، في زيارتين مجدولتين في السابق، لكن التزامن اللافت بينهما قد تكون له أبعاد ودلالات، لاسيما أن "ضيوف المملكة" ضمن حلف واحد
وسبق وأن أزعج هذا الحلف قادة المملكة العربية السعودية لأكثر من ثلاث سنوات، وأسفر عنه قطيعة وحصار وتأزم في العلاقات
زيارة جاويش أوغلو هي الأولى من نوعها منذ أربعة سنوات، أما زيارة أمير دولة قطر هي الثانية بعد التوصل إلى "صلح العلا"، في يناير الماضي، وهو اتفاق تغير ما بعده بشكل جذري عما قبله، على صعيد العلاقة بين المثلث المذكور (الدوحة، الرياض، أنقرة)
العاهل السعودي يدعو أمير قطر لزيارة المملكة
سلم وزير الخاريجة السعودي، فيصل بن فرحان، الاثنين، رسالة إلى أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، من العاهل السعودي الملك، سلمان بن عبدالعزيز ، يدعوه فيها لزيارة المملكة
وبينما تغيب تفاصيل النقاشات التي سيجريها أمير دولة قطر مع الملك سلمان بن عبد العزيز تأتي زيارة وزير خارجية تركيا بهدف إزالة الحواجز في طريق إعادة تطبيع العلاقات مع الرياض، وهو توجه تسير فيه أنقرة منذ أشهر، في إطار سياسة إعادة التموضع الخارجي التي بدأت السير بها على عجل وبشكل مفاجئ، عقب وصول الإدارة الأميركية الجديدة إلى البيت الأبيض
وحتى الآن تبدو خطوات إعادة العلاقات إلى طبيعتها بين الرياض وأنقرة بطيئة، بمعنى أنها تفتقد للقواسم المشتركة بين الطرفين، وللآلية أيضا
وفي المقابل يشير المشهد العام بعد اتفاق المصالحة الخليجية (العلا) إلى أن الدوحة والرياض تعملان على فتح قنوات اتصال مباشرة وتفعيل جداول الزيارات باستمرار، في خطوات من شأنها أن تنقلهما إلى مرحلة قد تكون أقرب إلى الصداقة من الشراكة والتحالف
"زيارة تحكمها الظروف"
وكانت علاقات الرياض وأنقرة توترت بسبب دعم تركيا لقطر في نزاع بين البلدين الخليجيين، قبل أن يتصاعد التوتر إلى مرحلة الأزمة عندما اغتال فريق سعودي الصحفي، جمال خاشقجي الذي كان معارضا لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للمملكة
عقب تلك التطورات تأزمت العلاقات أكثر ووصل أوجها إلى حد المقاطعة التجارية للمنتجات التركية في السعودية، والتي انعكست آثارها بالسلب على نسبة الصادرات التركية إلى أراضي المملكة، منذ أكتوبر العام الماضي
الباحث التركي، هشام جوناي يقرأ زيارة جاويش أوغلو إلى الرياض الاثنين بأنها تأتي ضمن "سياسة الانفتاح" التي تبديها أنقرة في عدة ملفات، بينها الملفات العالقة مع اليونان ومصر والعراق
أردوغان يسعى لتحسين علاقته مع السعودية
ويقول جوناي في تصريحات لموقع "الحرة": "إلى جانب الانفتاح ورغبة أنقرة في تسوية علاقتها مع الرياض تأتي قضية الفلسطينيين في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية. ربما ستسهل الظروف الحالية مهام تركيا في إقناع الرأي العام التركي والعالمي في التوجه نحو السعودية"
ويتابع الباحث التركي: "لاسيما أن هذه الزيارة لها أبعاد ترتبط بمصالح العالم الإسلامي ومستقبل القدس"
ومنذ ساعات قليلة نشر جاويش أوغلو صورة له في أثناء وصوله إلى العاصمة السعودية الرياض، وعنونها عبر "تويتر": "نحن في السعودية لبحث علاقاتنا الثنائية ومناقشة القضايا المهمة التي تهم منطقتنا، لا سيما الاعتداءات على المسجد الأقصى واضطهاد الشعب الفلسطيني"
ويستبعد الباحث جوناي أن يكون هناك ربطا بين زيارة وزير الخارجية التركي وأمير قطر إلى الرياض، ويوضح: "فيما يتعلق بوساطة قطر للمصالحة بين تركيا والسعودية فلا أعتقد أن العلاقات السعودية- القطرية في أحسن حالها"
ويضيف: "نعم كان هناك تأثير قطري على توتر العلاقات في السنوات السابقة، لكن في المقابل فإن إصلاحها ما بين الرياض وأنقرة لن يكون عبر قطر بل من خلال المصالح المشتركة"
"الدوحة مستفيدة"
ما تشهده الرياض اليوم لا يمكن فصله عما شهدته العلا السعودية في يناير الماضي، فبعد اتفاق المصالحة الخليجية الذي تم توقيعه فيها برزت مواقف كثيرة وبارزة من تلك الدول، ورغم أنها لم تخرج من الإطار الإعلامي، إلا أنها ووفق مراقبين أسست لمرحلة جديدة على صعيد إنهاء الأزمات أو إصلاحها في أقل تقدير
ولم تكن تركيا بمنأى عن اتفاق العلا أو مخرجاته، حيث كانت بمثابة "الحاضر الغائب"، وفي بيان للخارجية التركية آنذاك اعتبرت نفسها "شريكة استراتيجية" لدول مجلس التعاون الخليجي
واللافت من كل ذلك الموقف الذي أعلن عنه الدوحة بعد أيام من اتفاق المصالحة، مبدية استعدادها للعب دور الوساطة بين أنقرة والرياض، من أجل إعادة تطبيع العلاقات بينهما، وهو ما ورد ذكره على لسان المبعوث الخاص لوزير الخارجية القطري لمكافحة الإرهاب والوساطة في تسوية المنازعات، مطلق القحطاني
الدكتور علي باكير أستاذ العلاقات الدولية في "مركز ابن خلدون" بجامعة قطر يشير إلى غياب أي تفاصيل عن ماهية التزامن بين الزيارتين إلى العاصمة السعودية
ويقول باكير في تصريحات لموقع "الحرة": "لكن الجانب القطري كان قد صرح بعد اتفاق العلا بأنه مستعد لأي وساطة بين الجانب السعودي والتركي في حال طلب أي من الطرفين هذا الأمر"
وهناك مصلحة مشتركة لأن تكون العلاقات التركية- السعودية قوية "لأن قطر ستستفيد في نهاية المطاف"
ويضيف باكير: "هذا المثلث كان فاعلا في نهاية عام 2015 وبداية 2016. بالتالي إذا كان هناك إعادة تموضع في الإقليم من المفترض أن يعاد تفعيل هذا المثلث حاليا"
ويعتقد أستاذ العلاقات الدولية أن "التصادف في زيارة الطرفين إلى المملكة يعتبر مؤشرا إيجابيا. ربما يكون هناك ربط في الموضوع استنادا للتصريحات القطرية السابقة، لكن لا توجد معلومات قاطعة في هذا الأمر حتى الآن"
"تسويات وتهدئات"
في غضون ذلك تشير جميع التقديرات إلى أن السعودية ترغب في فتح صفحة جديدة مع تركيا، لكنها تتريث بحسب المشهد العام قبل الإقدام على خطوة كبيرة في هذا الخصوص، وتنتظر وضوح التوجهات التركية الجديدة، وما إذا كانت جادة أم مجرد إعادة تموضع في الخطاب
السعودية وتركيا.. سر الرقم "صفر" والحراك الدبلوماسي
ستة أشهر مضت على المقاطعة التجارية -غير الرسمية- للمنتجات التركية التي تستوردها السعودية، وفيها تغيرت الأرقام رأسا على عقب وأصبحت آثارها معكوسة على أرض الواقع، وهو الأمر الذي تؤكده بيانات حديثة صادرة عن "جمعية المصدرين الأتراك"
كما أن السعودية ترهن أي تحرك تجاه أنقرة بنتائج المحادثات التركية المصرية. وأي تقدم على المسار التركي المصري سينعكس إيجابا على المسار التركي السعودي والعكس
ومن تفاصيل ما سبق يبقى مشهد المرحلة المقبلة غامضا، من حيث الآلية التي ستسير بها أنقرة والرياض لإعادة العلاقات كما كانت سابقا. وما إذا كان هناك تدخلا من طرف ثالث، قد يكون من جانب قطر التي سبق وأن كانت "محور الخلاف" لتتحول الآن إلى "محور الصلح"
المستشار السابق في الخارجية السعودية، سالم اليامي يرى أن المنطقة مقبلة على جملة من التسويات والتهدئات لعدد من الملفات التي "كانت محل خلاف بين أكثر من طرف"
ويقول اليامي في تصريحات لموقع "الحرة": "أبرز ما يمكن ملاحظته أن السعودية تعود كمحور رئيسي تنطلق منه كل المبادرات، وتتقاطع في الرياض خطوط كثيرة للعلاقات، والمصالح للدول الكبرى، وللأطراف الإقليمية"
وما يدل على ذلك بروز المباحثات السعودية الإيرانية إلى السطح، ثم زيارات المسؤولين في الدوحة، وأخيرا الخطوات التركية باتجاه الرياض
ويتابع اليامي وهو كاتب وباحث في العلاقات الدولية: "كل هذا يؤكد أن عنوان الحراك الحالي هو الموقف السعودي"
ويوضح أن أغلب المراقبين يذهبوا إلى أن "كل هذه الجهود الحثيثة ستتناول أهم ملفات المنطقة، وفي مقدمتها الصراع في اليمن وتجاوز الخلافات التركية العربية، واستعداد المنطقة للتعامل مع أدوار قد تكون مختلفة بعض الشيء للاعبين الدوليين، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية"
"تمهيد لقمة رباعية"
من جانبه يربط المحلل السياسي القطري، صالح غريب ما تشهده العاصمة الرياض الآن باتفاق "العلا" الأخير، ويشير إلى أن الزيارتين تصبا في إطار فتح الحوار بين تركيا والسعودية وأيضا بين السعودية وإيران
ويقول غريب في تصريحات لموقع "الحرة": "مؤخرا بدأت اتصالات بين ملك السعودية والرئيس التركي، ومعها سعت قطر لفتح طرق المصالحة"
ويرى المحلل السياسي أن زيارة وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو إلى الرياض تأتي في هذا الإطار، وتمهيدا لـ"قمة رباعية" في السعودية تضم الرئيس التركي والرئيس الإيراني وملك السعودية وقطر
ولم تخرج أية تصريحات رسمية بوادر لانعقاد هذه القمة، سواء من جانب المملكة العربية السعودية أو تركيا وإيران وقطر، لكن الثابت أن المحادثات التي تجري بشكل سري بين السعوديين والإيرانيين ما تزال قائمة في العاصمة العراقية بغداد
ويرى غريب أن تزامن زيارة جاويش أوغلو مع زيارة أمير قطر تأتي "في إطار التقارب التي سعت له قطر منذ انتهاء مؤتمر القمة الخليجي بالعلا"، متوقعا أن تفتح الزيارة الأولى الباب أمام زيارات "رفيعة المستوى" بين السعودية وتركيا
ورغم ما سبق إلا أن نوايا الرياض تبقى "خجولة" إزاء الاندفاعة التركية، وهو ما تثبته المواقف التي اتخذتها في الأيام الماضية بإغلاق ثمانية مدارس تركية، وعكوفها المستمر عن استيراد المنتجات التركية
رسائل تركية في صندوق بريد الرياض.. صفحة جديدة قد تتطلب "تنازلات موجعة"
أربعة أشهر مضت على بداية عام 2021، وفيها تبدل وجه السياسة الخارجية لتركيا رأسا على عقب، فمن وُضعوا ضمن خانة "الأعداء" سابقا باتوا الآن أقرب إلى "الأصدقاء الجدد"
وقد يصعّب ما سبق، حسب مراقبين من التقارب السريع بين البلدين، في المرحلة الحالية، على خلاف تحركات التقارب ما بين أنقرة ومصر، والتي تتصدر مشهد السياسة الخارجية منذ أشهر، وتكللت منذ أيام بزيارة أجراها وفد تركي رفيع المستوى إلى العاصمة المصرية القاهرة