انتفاضة القدس أثبتت أنها قادرة على إحياء القضية الفلسطينية، وإعادة الاعتبار لها، والتذكير بالاحتلال الإسرائيلي الوحيد الجاثم منذ أكثر من 70 عاماً على أنفاس الفلسطينيين.
وبرهنت هذه الانتفاضة ان القدس خط احمر لا يمكن تجاوزه، او القفز عنه، ولا أحد يجرؤ أو يملك الشرعية للتفريط أو التنازل عن أي جزء منها، وأن “المقدسيين” هم حماتها يدافعون عنها بأجسادهم وأرواحهم.
غيرت انتفاضة القدس حتى الآن الكثير من المعطيات السياسية الراكدة، وعصفت بالشعارات التي تروج للتطبيع باعتباره خياراً لا مفر منه، وأحيت جذوة النضال السلمي في فلسطين وكل عواصم العالم.
أفرزت انتفاضة القدس وقائع جديدة لا يمكن تجاهلها، فلسطينياً أصبحت قيادة السلطة بلا شرعية شعبية، وانتهى رصيدها عند الشارع، والرهان على تجديد شرعيتها، وتمثيلها وقوتها عبر صناديق الاقتراع – إن حدثت- قد انتهى، وعلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن يتنحى، ويترك القيادة لمن يستطيعون التماهي مع الحالة الجديدة التي رسختها الانتفاضة السلمية في القدس.
وفي المقابل فإن حركتي حماس والجهاد الاسلامي سواء رضي المجتمع الدولي أم غضب رسخت وجودها أكثر، ولو أجريت انتخابات عاجلاً ام آجلاً فإنها ستحصد ثمارها تقدماً لافتاً في التصويت لها، وأي حوارات سياسية أو أمنية هي لاعب رئيس حاضر على الطاولة.
المتغير الأهم في معادلة الصراع مع إسرائيل “فلسطينيو الداخل” الذين أصبحوا قنابل موقوتة في جسد الاحتلال، ترعبه وتهدم جدرانه، وتدفعه لمراجعة المستقبل ألف مرة.
أردنياً انتفاضة القدس عززت موقفه الداعي في كل لحظة لإيجاد حل سياسي يضمن كافة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وتأكيده ان محاولات صرف الانتباه عن جوهر المشكلة بتوقيع اتفاقيات تطبيع سيفاقم الصراع ولن يقود الى سلام عادل ابدا.
فرض الشارع الأردني إيقاعه السياسي ومواقفه بتظاهرات واحتجاجات مستمرة تطالب الحكومة بقطع العلاقات مع إسرائيل، والنواب وقعوا مذكرة تدعو الحكومة لفعل ذلك، والخطوة المطلوبة حكومياً – على الاقل- إبلاغ السفير الاسرائيلي بأنه شخص غير مرغوب بتواجده على الأراضي الأردنية، واستدعاء سفيرنا في تل أبيب على عجل.
يستثمر رئيس الوزراء نتنياهو في الأزمة لحشد كل المتطرفين حوله لتشكيل حكومة طوارئ يتزعمها بعد أن تهاوت أحلامه بفرص تأليف حكومة بعد الانتخابات منذ أسابيع.
تصعيد العنف هي البيئة الخصبة لنتنياهو، وهو مع المستوطنين المتطرفين يشعلون الجبهات في القدس ثم غزة حتى يحصدوا نتائجها نصرا سياسيا، ولكن المقاومة الشعبية في القدس، والصواريخ التي اخترقت قبته الحديدية خلطت الأوراق، وربما تنهي مستقبله السياسي.
العالم يتغير دعما للشعب الفلسطيني في مواجهة العدوان، وخلال الأيام الماضية كان هاشتاغ الحرية لفلسطين، وأوقفوا العدوان على غزة يتصدر الترند، وفي المشهد عالميا أصوات معروفة أدانت الممارسات الإسرائيلية التي تخرق القانون الدولي.
حملات التضامن العالمي لم تعد تلتفت للرواية الاسرائيلية التي تظهرها بعض وسائل الاعلام كضحية، بل صارت أكثر انصافا وعدالة في تقديم المظلومية الفلسطينية، والمعاناة الانسانية التي عاشوها، ويجدون في تقارير المنظمات الدولية والوطنية ادلة دامغة تسعفهم في كشف زيف ادعاءات الاحتلال الاسرائيلي.
منظمة هيومن رايت ووتش في آخر تقرير لها تعتبر اسرائيل كياناً عنصرياً ارتكب جرائم ضد الإنسانية.
الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين أكثر توازناً في مقاربتهم السياسية للقضية الفلسطينية، والرهان الآن أن تظهر الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة الرئيس بايدن تصوراً مغايراً للسياسة الخرقاء التي اتبعها الرئيس ترامب.
لا نتوقع انقلاباً في الموقف الأميركي، ولكن انتفاضة القدس قد تدفعها لإعطاء اهتمام أكبر بملف السلام في الشرق الأوسط، وتقديم مبادرة سياسية توقف التوحش الاسرائيلي.