هو الثوب الأسود إذاً ... و إن رآه البعض ناصع البياض ... ذاك الذي أحاط باغتيال أحد قادة حركة المقاومة الإسلامية حماس "محمود المبحوح" ... حكاية اختلفت عناصر الزمان و المكان فيها عن شقيقاتها من الاغتيالات ؛ لكن العبرة بقيت ذاتها .
إذ تعود إسرائيل مرة أخرى - وهي صاحبة السوابق في هذا الصدد - لتؤكد أن بُعد المكان و اختلاف الزمان لا يعنيان الأمان لمن تراهم أعداء لها ، و هذا بذاته - و إن رأى البعض خلاف ذلك - مؤشر واضح على وجودها ذو الطابع الخفي و القدرة الظاهرة على تحقيق الهدف ، ومن ثم الظهور أمام المجتمع الدولي بمظهر الطفل البريء الذي ينعم بالأمان و الحرية في أحضان العم سام و السيدة البريطانية التي أرضعته في ربيع العمر.
و لإكمال المقطع الناقص من تحليل هذه الحكاية ؛ فإن اغتيال المبحوح في هذه الظروف و ضمن هذه الإحداثيات يفتح المجال أمام تساؤلات عدة ، ليس آخرها ما قيل حول حالة " السرية " التي تتمتع بها القيادات الخارجية للمقاومة ، ومدى قدرة و فاعلية أجهزة الأمن العربية عامة و " دبي " تحديدا - و هي التي عاشت فترة جامحة من التساؤلات المشككة سابقا بسبب اغتيال إحدى المغنيات- في مواجهة هذا الخطر ، إلا أن الواضح حتى الآن ، أن إجراءات دبي تجاه إسرائيل أقل صرامة " إن لم تكن معدومة " مقارنة مع الصرامة التي أبدتها مع مصر في الحادثة السابقة .
و تبقى الضحية الوحيدة هي المقاومة التي تتلقى الصفعة تلو الأخرى ، تارة من عدوتها اللدود ، و تارة من جارتها " الودود " ... و بين هذه و تلك ، تجدها صامدة في أصعب الظروف ؛ فهي و إن حظيت بالتأييد من طرف ، و الرفض من طرف آخر ، إلا أن كلا الطرفين سيخضعان في النهاية لقانون المنطق الذي استغلته المقاومة لفرض نفسها كجزء لا يتجزأ من الشعوب الداعمة ، و ضربت مثالا واضحا في الصمود و الثبات ، و إيثار الأرض على الذات .
و يبقى التساؤل الأبرز في هذا السياق : ما مدى التغلغل الإسرائيلي " الاستخباراتي " داخل الدول العربية ؟؟ و ما مدى جدوى معاهدة السلام العربية الإسرائيلية في ردع هذا الخطر -كما يقول البعض - أو جعله أكثر رحمة ، فما حدث لم يكن تحديا لحماس فحسب ، بل هو بالأحرى تحدٍ للمسافة التي تفصل إسرائيل عن هدفها ، لتؤكد بشكل أو بآخر امتداد قدرتها الاستخبارية على هذه المسافة !
قد يظن البعض أن ما سبق إجحاف للواقع ؛ فكما يقال " الشجرة الصغيرة ، جذورها قصيرة "... لكن الواضح تماما أن إسرائيل لم تعد تكتفي بهذه النظرية الفيزيائية البحتة ، بل ذهبت كعادتها إلى ما هو أبعد من ذلك ، و قد رأينا ما سبق ماثلا في العراق و السودان ، و ها نحن اليوم نراه حاضراً في عاصمة الاقتصاد العربي ، برسالة واضحة مفادها :
" لا يجب أن تستظل بظل الشجرة ، حتى تعلم أنك تقف فوق جذورها "
بقلم : أيمن محمد ماجد