كحال كل الموظفين الحكوميين والناس من صنف "العاديين" كنا أحيانا نشتري ألبستنا "العائلية" من "الشماشير"، وحفاظا على سمعة "العيلة" لم نكن نشتري من محلات "البالة" التي في السلط، كنا نتوجه إلى مخيم البقعة، هناك لا ترى من تخجل منه، في المخيم لا أحد يعرفك وربما شيء أكثر من ذلك أن هو أن لا أحد يكترث، بل على العكس ربما كانوا ينظروا إلينا على أننا "حالة استثنائية" فقد كنا نذهب بسيارة "الفوكس" وفي المخيمات تلك الأيام السيارة كانت تعتبر ترف اجتماعي "مفرط".
كانت رائحة المخيم كريهة جدا، لماذا..."ليشحدوا" عليهم، هذا ما كنت اسمعه لم أكن لأفهم من الذي "يَشحد" ومن الذي "يُشحد" عليه...لم أستوعب كطفل أن التصريف الصحي في المخيم مفتوح للهواء الطلق، فقط لتسهيل "الشحدة"، وحتى ترى الوفود الدولية أن وضع اللاجئين على حد تعبيرنا العام "بنشحد عليه"، وتقضي الصدف أن أعود للمخيم في العام 1989 لتوزيع منشورات لأحد مترشحي العائلة للانتخابات النيابية، المخيم كان هو وسكانه لواحدة من اثنتين الأولى "الشحدة " والثانية "الشحدة أيضا".
في محلات "الشماشير" لا توجد رفوف لعرض البضاعة، فالباعة يلجئون لعرض الأحذية عن طريق دق مسامير على ألواح خشبية مثبتة بجدران المحل، وفي بعض المحلات التي كانت تعرض الكثير من البضاعة، تثبت الأحذية على عوارض خشبية تتدلى من السقف، مما يعني أن الأحذية ستكون فوق رأس الزبون، طلبت من البائع تجربة حذاء معين فسألني أي حذاء تريد...قلت الذي فوق رأسي تماما...!!!...ليس بالأمر خداع لغوي، في محلات "الشماشير" الأحذية تكون فوق رؤوسنا تماما.
للرائحة ارتباط غريب جدا بالذاكرة، وربما تعتبر الرائحة من أكثر الأشياء التي تثير الذاكرة...حتى بعض الأحداث لها رائحة، ألا نقول في معرض أحاديثنا "شام ريحة إنّ بالموضوع".
ما حصل عند الجسر لفض اعتصام "حق العودة" ذكرني بمخيم البقعة حيث الرائحة التي تزكم الأنوف وحيث "الكنادر" فوق رأسي تماما، والغريب أني ما زلت أنظر إليها بإعجاب.
"سلمولي على حق العودة...إذا شفتوه"
قصـــــــــــــي النســــــــــــــور
qusainsour@yahoo.com