مهدي مبارك عبد الله - ضمن فضيحة جديدة تتعلق بالنشاط الأمريكي في أوروبا عادت مؤخرا قضية تجسس الولايات المتحدة على حلفائها الأوروبيين لتحتل عناوين الصدارة في الصحف العالمية مرةً أخرى خاصة بعدما كشفت شبكة التليفزيون الدنماركية ( دي آر ) أن وكالة الأمن القومي الأمريكية بالتعاون مع وكالة الاستخبارات الخارجية الدنماركية تتجسس على كبار المسؤولين في الدول المجاورة بما في ذلك تحركات واتصالات المستشارة الألمانية انجيلا ميركل
هذه المعلومات ليست جديدة بل هي نتيجة مجموعة من التحقيقات الداخلية التي أجراها جهاز استخبارات الدفاع الدنماركي بين الاعوام ( 2012-2014- 2015 ) بعد مخاوف ترددت بشأن تسريبات من قبل العميل السابق لوكالة المخابرات المركزية ( إدوارد سنودن ) حيث اكدت في حينه تسعة مصادر مطلعة وقريبة من التحقيق إن وكالة الأمن القومي الأمريكية استخدمت ( اتفاقية تعاون ) مع جهاز المخابرات الخارجية الدنماركية للتجسس على كبار المسؤولين الأوروبيين اضافة الى ان الوكالة استخدمت قنوات المخابرات الدنماركية للتجسس على كبار المسؤولين في السويد والنرويج وفرنسا وألمانيا بما في ذلك وزير الخارجية الألماني السابق فرانك ( فالتر شتاينماير ) ويقال بان الكشف عن تعاون وكالة المخابرات الدنماركية مع وكالة الأمن القومي الأمريكية كان نتيجة تحقيق إعلامي دنماركي مشترك مع عدة وسائل وأجهزة إعلام وارسال اذاعي المانية )
بعد الكشف عن التجسس الأمريكي على الحلفاء الأوروبيين قال المتحدث باسم المستشارة الألمانية ( لقد علمت بهذه المزاعم من خلال الصحفيين فقط کما قال الرئيس الألماني الحالي ووزير الخارجية السابق فرانك فالتر شتاينماير للصحفيين إنه ليس على علم بالموضوع وتم إبلاغه بالتجسس الأمريكي من خلال وسائل الإعلام جراء ذلك دعت المستشارة الألمانية ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حكومتي الولايات المتحدة والدنمارك إلى شرح تقارير عن انظمة التجسس الخاصة بأجهزة مخابراتها في بلديهما
وقد أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مؤتمر صحفي له إن ( على واشنطن تقديم إيضاح بشأن التقارير المنشورة حول تجسس وكالة الأمن القومي الأمريكية على كبار المسؤولين في عدة دول أوروبية وإن التنصت على محادثات الحلفاء أمر غير مقبول به بتاتا وأنه خطير للغاية لما له من تأثير على مستقبل تعاون الاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة وإن هذا الحدث يجب أن يكون نقطة الانطلاق لإقامة علاقة تقوم على الثقة المتبادلة بين أوروبا وامريكا او عدمها
من جانبه دعا وزير الدفاع السويدي إلى إجراء تحقيق كامل في الأمر. كما أخذ وزير الدفاع النرويجي هذه المزاعم على محمل الجد خاصة بالقضايا المتعلقة بالمواطنين والشركات والمصالح السويدية وفي وقت سابق من عام 2015 كشف تقرير إخباري إعلامي نقلاً عن ( وثائق ويكيليكس ) أن وكالة الأمن القومي الأمريكية قد تجسست على ثلاثة رؤساء فرنسيين هم شيراك وساركوزي وهولاند إضافة إلى أعضاء رفيعي المستوى في حكوماتهم في عام 2006
ولم يكتف موقع ويكيليكس بالإبلاغ عن التنصت على كبار السياسيين الفرنسيين بمن فيهم الرئيس بل أعلن أيضًا أن وكالة الأمن القومي الأمريكية قد حصلت على بعض الملاحظات الخاصة بالاجتماعات السرية بين السياسيين الفرنسيين عام 2012 كما تم الكشف عن بعض أرقام هواتف السياسيين الفرنسيين التي تم التنصت عليها من قبل الأمريكيين وحتى قبل ذلك في عام 2013 تم تسريب التجسس الأمريكي علی ألمانيا ووعد رئيس الولايات المتحدة آنذاك باراك أوباما أن هذا لن يحدث مرةً أخرى أبدًا على الرغم من استمرار هذا التجسس حتى يومنا هذا
تجسس الولايات المتحدة بواسطة وكالة المخابرات الأمريكية على القادة والسياسيين الأوروبيين ليست هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الكشف عن فضيحة تجسس امريكي علی الحلفاء الأوروبيين لكن الجديد كان في تعاون المخابرات الدنماركية مع وكالة الأمن القومي الأمريكية في التنصت على القادة والسياسيين الأوروبيين ( الدنمارك واحدة من أقرب حلفاء الولايات المتحدة في الاتحاد الأوروبي. وهي الدولة الاسكندنافية الوحيدة التي هي عضوًا في الناتو والاتحاد الأوروبي في وقت واحد )
في ألمانيا تم التنصت على المكالمات الهاتفية للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ووزير الخارجية آنذاك فرانك فالتر شتاينماير ومرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني في الانتخابات ( بير شتاينبروك ) وذلك لعدة سنوات من قبل المخابرات الأمريكية بالتعاون مع جهاز المخابرات الدنماركي وقد اكدت وكالة رويترز في هذا الصدد أن الحكومة الدنماركية كانت على علم بالتجسس على قادة عدة دول أوروبية منذ عام 2015 على الأقل وقد أتاح الجيش الدنماركي ووكالة الاستخبارات الأجنبية إمكانية التجسس على القادة والسياسيين الأوروبيين من قبل وكالة الأمن القومي الأمريكية وبتخطيط مسبق بين الطرفين من خلال محطة " سانداجرجاردان " للتجسس والمراقبة
بالقرب من كوبنهاغن حيث يتجسس عملاء المخابرات الأمريكية على القادة الأوروبيين باستغلال نقطة للتبادل المشترك لشبكة الإنترنت وكذلك عبر كابلات نقل خدمة الإنترنت والاتصالات المثبتة تحت سطح البحر حيث يعترض الأمريكيون المعلومات التي تنقلها الكابلات البحرية والتي تشبه طرق المعلومات السريعة كما يراقبون معلومات الخوادم العملاقة للإنترنت الموجودة داخل امريكا ويذكر انه في الخمسينيات من القرن الماضي عندما تأسست وكالة الأمن القومي الأمريكية كانت تتنصت على العملاء الروس لكنهم اليوم وسعوا شبكتهم لجمع كل المعلومات المتوفرة على الكوكب وفي السماء وتحت الأرض يزعم أنها تتعلق بالأمن القومي والمصالح العليا للولايات المتحدة
وكالة الأمن القومي الأمريكية تتنصت بكل قوتها علی العالم أجمع ولا تكشف عن أي من أسرارها وتشير التقديرات إلى أن هذه المؤسسة يعمل بها نحو 50 ألف موظف ولها ميزانية سنوية تبلغ 8 مليارات يورو وقد قامت بتركيب هواياتها في جميع أنحاء العالم وخاصةً في قلب العواصم الكبرى بحجة الأمن القومي وهي تمتلك اضخم واحدث شبكة للإنترنت في العالم وهي تعتبر الأخطبوط الحقيقي في البلدان الأخرى مثلا ( تقع السفارة الأمريكية بالقرب من ميدان الكونكورد في قلب باريس بجوار قصر الإليزيه ) وتعمل وكالة الأمن القومي الأمريكية ليل نهار على تحليل مليارات الرسائل والمكالمات الهاتفية وهي تبحث عن الكلمات الرئيسية والأرقام التي تهمها وتعتبرها خطيرة
يقال وفق مفهوم التحليل السياسي الواقعي بان ما جعل القضية أكثر بروزا اليوم هو ظهور بعض الميول المؤيدة للاستقلال بين القادة الأوروبيين تجاه الولايات المتحدة والتي بدأت في عهد ترامب وعلى الرغم من أنها قد تغيرت قليلاً في حقبة بايدن إلا أن مواقف معظم القادة الأوروبيين يظهر أنهم قبلوا بالحفاظ على مستقبل الاتحاد
بلاعتماد على الاستقلال عن الولايات المتحدة وربما كان هذا النفور الأوروبي هو الذي دفع الولايات المتحدة إلى متابعة وتكثيف بعض مشاريع التجسس الأخرى والأكثر أهميةً ضد حلفائها الأوروبيين والذي يزداد يوما بعد الأخر في بيئة غير صحية ومريبة مسكونة بالشكوك والحيطة والحذر ويشي استمرارها بالقطيعة مع امريكا وهي في حقيقتها كـ ( النار تحت الرماد ) قابلة للاشتعال في أي وقت ولأي سبب
mahdimubarak@gmail.com