منذ انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة منتصف الستينيات مع حركة فتح وفصائل منظمة التحرير إلى اليوم والمقاومة الفلسطينية وخصوصاً المسلحة منها تتعرض لحملات تشويه وتشكيك. لم يتوقف الأمر عند الكيان الصهيوني وحلفائه في الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية حيث تم وصف المقاومة بالإرهاب وتم إدراج منظمة التحرير ولاحقا حركتي حماس والجهاد الإسلامي على قائمة الحركات الإرهابية، بل يتعدى ذلك إلى أطراف عربية وإسلامية تشكك بالمقاومة سواء الوطنية أو الإسلامية حيث تتهمها أيضاً بالإرهاب أو بأنها مأجورة لجهات خارجية كما هو الحال مع حركة حماس والجهاد الإسلامي، ولم ينجو من التشكيك حتى عمليات المقاومة التي يقوم بها شباب من حركة فتح أو فصائل منظمة التحرير أو شباب غير منتمين حزبياً حيث تطاردهم تهمة الإرهاب أو التشكيك بالنوايا والأهداف أو التهوين من شأن هذه العمليات.
شرعية المقاومة مستمدة من عدالة القضية ومن كل الشرائع الدينية والوضعية لأن من حق الشعب الذي يخضع للاحتلال ممارسة حق الدفاع عن النفس، والمقاومة بكل أشكالها تندرج في سياق الدفاع عن النفس، وهذا ما جعل المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال تحظى بدعم وإسناد من غالبية شعوب ودول العالم، فكيف يمكن قبول مزاعم دولة الاحتلال ومستوطنيها بأنهم يمارسون حق الدفاع عن النفس وفي نفس الوقت نكران هذا الحق على الشعب الخاضع للاحتلال؟ كما ليس كل الدول والشعوب التي تدعم الشعب الفلسطيني ومقاومته المسلحة لها أجندة ومصالح خاصة تتعارض مع المصلحة الوطنية الفلسطينية.
صحيح، إن بعض الدول والجماعات لها مصالح وتحاول توظيف القضية الفلسطينية وبعض فصائل المقاومة لخدمة مصالحها القومية والإقليمية، ولكن أن تتقاطع مصالح المقاومة الفلسطينية أو بعض فصائلها مع مصالح دول وجماعات، أو تتعارض استراتيجية بعض فصائل المقاومة مع استراتيجية وسياسة السلطة ومنظمة التحرير، فإن هذا ليس مبرر للتشكيك بالمقاومة من حيث المبدأ أو التعميم بأن كل من يقاوم الاحتلال مأجور لأطراف خارجية وينفذ سياساتها.
مع تحفظنا على ممارسة المقاومة بطريقة فصائلية دون استراتيجية وطنية ومع تحفظنا على أي حديث عن نصر إن لم يكن انتصاراً للشعب ويصب في صالح القضية الوطنية بشكل عام، ومع افتراض وجود علاقة تقاطع مصالح بين القيادات العليا لبعض الفصائل الفلسطينية مع هذه الجهة أو تلك، إلا أنه لا يجوز التشكيك بكل من يمارس المقاومة أو التشكيك بمبدأ المقاومة، لأن شعبا خاضعا للاحتلال ولا يقاوم الاحتلال بكل ما يملك من أدوات نضالية إنما يشكك بحقه بالأرض و بالحرية والاستقلال.
ودعونا نتساءل: هل شهداء الثورة الفلسطينية وشهداء الانتفاضتين وشهداء موجات العدوان على غزة وشهداء عمليات الطعن والدهس وقنص جنود الاحتلال في الضفة والقدس كانوا إرهابيين أو عملاء لأجندة خارجية؟ هل الطفل فارس عودة ،إبراهيم أبو ثريا، مهند الحلبي، عمر أبو ليلى، أحمد جرار، منتصر شلبي، وجميل العموري ورجال أمن السلطة في جنين الذين استشهدوا معه، والكثير الكثير من الشهداء والجرحى، هل كان هؤلاء ينفذون أجندة خارجية؟ وهل الشباب الذين كانوا يسهرون الليل بالنهار في الخنادق والأنفاق في غزة لصناعة الصواريخ التي قصفت إسرائيل كانوا يعملون لخدمة أجندة خارجية أو كانوا يتلقون تعليماتهم من أطراف خارجية أو حتى يعلمون بوجود هذه الأجندة والأطراف الخارجية؟ وهل أكثر من خمسة آلاف أسير وقبلهم ما يفوقهم عددا كانوا ينفذون أجندة خارجية؟ و أية أجندة خارجية كانت وراء الشهداء والجرحى في حي الشيخ جراح في القدس وفي الضفة وأم الفحم واللد وبقية مناطق 48 و أكثر من 270 شهيدا في قطاع غزة خلال الانتفاضة الأخيرة؟ وهل كان الشهيد أبو عمار ومن سبقه ومن تبعه من القادة من كل الفصائل ينفذون أجندة خارجية ؟ !!!!.
استمعت لوصية الشهيد من حركة الجهاد الإسلامي حمزة الهور من مخيم النصيرات في قطاع غزة والذي استهدفته طائرات الاحتلال مع رفاق له في جولة التصعيد الاخيرة، وكانت رسالة بقدر ما فيها من قوة الإرادة والعزيمة بقدر ما كانت تمزق نياط القلب وهو يتحدث عن والديه وإخوته شاكرا لهم فضلهم ومفسرا لهم سبب إقدامه على الانخراط في المقاومة المسلحة ومعتذراً في نفس الوقت عما سيسببه استشهاده من حسرة وألم، وتساءلت هل كان هذا الشاب الهادئ والخلوق الذي بالكاد تجاوز العشرين عاماً يتواصل مع جهات خارجية وينفذ اجندة إيرانية أو إخوانية أو حتى يعرف بهذه الاجندة؟ أم كان في ممارسته للمقاومة في حركة الجهاد الإسلامي يمارس فلسطينيته ويعبر عن حبه لفلسطين والقدس ورفضه لحالة الهوان والحصار المفروضة على أهله وشعبه في قطاع غزة وكل ربوع فلسطين؟.
في الوقت الذي نحذر فيه ممن يوظفون حالة عدم التوافق الفلسطيني على استراتيجية موحدة للمقاومة وحالة الانقسام ليطعنوا في مبدأ المقاومة و يشككوا بالمقاومين وبحركات المقاومة، خصوصاً بعد أن اغلقت إسرائيل الباب أمام أية تسوية سياسية عادلة وبعد أن تغول الاستيطان وعربد المستوطنون في الضفة والقدس دون رادع يردعهم، فإننا في نفس الوقت نؤكد أو بالأحرى تُعيد التأكيد على ما يلي:
1- ضرورة وجود استراتيجية وطنية للمقاومة بكل أشكالها ولا يجوز ممارسة المقاومة وخصوصاً العسكرية بارتجاليه و لحسابات حزبية ضيقة.
2- إن المقاومة لا تقتصر على العمل العسكري، فكل أشكال التصدي للاحتلال مقاومة سواء كانت عسكرية أو بالحجارة والدهس والطعن أو بالمقاومة السلمية والعمل الدبلوماسي .
3- إن المقاومة المسلحة لم تبدأ مع ظهور حركتي حماس والجهاد بل لها تاريخ طويل يبدأ بهبة البراق 1929 وثورة عز الدين القسام 1935 والثورة الفلسطينية الكبرى 1936- 1939، وعبد القادر الحسيني وجماعته قُبيل حرب 1948، وشباب الثأر وأبطال العودة بعد النكبة مباشرة، إلى الثورة والعمل الفدائي مع حركة فتح وفصائل منظمة التحرير منذ منتصف الستينيات والمتواصل حتى اليوم بدرجات متفاوتة.
4- أن يرفع المقاومون شعارات القومية العربية أو الإسلام أو الأممية... لا ينتقص أو يضير المقاومين وفعل المقاومة ما دامت وجهتهم فلسطين ومرجعيتهم فلسطينية.
Ibrahemibrach1@gmail.com