زاد الاردن الاخباري -
احمد أبو بدر - انجلى غبار جلسة البرلمان الصهيوني (الكنيست )الأخيرة التي كانت عاصفة بامتياز لتسفر عن خروج بنيامين نتنياهو (أو أبو يائير كما أطلق على نفسه هذا الاسم) خارج رواق الحكومة الصهيونية ليجد نفسه لأول مرة منذ 12 سنة خالي الوفاض من أي منصب حكومي و ليستعد للعب دور لطالما كان هو نفسه من يحاول تقويضه ألا وهو دور المعارض للحكومة الائتلافية الجديدة التي اتفقت فعلياً على أن لا تتفق سوى على إخراج أبو يائير من الحكومة الصهيونية تمهيدا لاستكمال إجراءات محاكمته بقضية فساد قد يصل الحكم فيها إلى السجن و انتهاء دوره سياسيا ليكون نسخة ممسوخة من خلفه سيء الذكر إيهود أولمرت و الذي كان قد أدين بقضية فساد دخل على إثرها السجن في مشهد درامي أدخل السرور و الحبور لقلب أبو يائير كونه تخلص من أشد خصومه السياسيين خطرا على مستقبله و باتت سدة رئاسة الوزراء بلا منافس فعلي يستطيع الإطاحة به و الذي اعتبره أنصاره ملكاً متوجاً على الكيان الصهيوني بعد فشل جميع محاولات منافسيه اليساريين في تلك الفترة و على رأسهم وزيرة الخارجية آنذاك تسيبي ليفني و التي فشلت فشلا ذريعاً في تكوين ائتلاف يساري ينهي سطوة اليمين المتطرف على الكنيست الصهيوني مما عكس حالة التشرذم الواضحة لدى أحزاب اليسار الصهيونية و التراجع الحاد في شعبيتها لدى الجماهير و هو ما جعل الكثير من المراقبين يظنون أن نتنياهو سيبقى في سدة الحكم لأجل غير مسمى في ضوء صعود نجم الأحزاب اليمينية و سياساتها في الداخل و الخارج و استغلال فترة غير مسبوقة من تفرق الصف العربي على مدار عقد من الزمن نجح الكيان الصهيوني خلاله من ضرب وحدة الموقف العربي من قضية فلسطين ليجد من بعض الدول العربية فرائس سهلة للوقوع في فخ التطبيع و تحويل المواقف و بيع القضية بأبخس الأثمان إضافة لتخلي بعض الدول العربية عن موقفها العروبي اتجاه القضية الفلسطينية و استبداله بموقف ظاهره الحياد المزعوم و باطنه التحالف مع الكيان الصهيوني لضربة القضية الفلسطينية و مقاومتها الباسلة في مقتل لا تقوم منه.
كل هذه العوامل الآنف ذكرها عملت على تعزيز انفراد أبو يائير بالسلطة المطلقة طوال اثني عشر عاما ليبسط ظله في غرور على أركان السياسة الصهيونية خاصة مع وجود علاقات وطيدة مع قادة جيش الاحتلال و انصياعهم لجميع قراراته التي كان يتخذها كلما دعت الحاجة لتأجيج المنطقة من أجل زيادة شعبيته و كسب المزيد من المؤيدين مستغلا دعم الولايات المتحدة غير المسبوق له عبر اللوبي الصهيوني في واشنطن و الذي أعطاه الضوء الأخضر ليمارس عربدته السياسية و العسكرية الإجرامية كيفما يحلو له فمن صفقات تسليح و مساعدات عسكرية أمريكية سخية للكيان الصهيوني إلى إفشال كافة أشكال القرارات الأممية التي كانت سيتم اتخاذها بحق الصهاينة نتيجة مسلسل جرائمهم الممنهجة اتجاه الشعب الفلسطيني الأعزل وذلك باستخدام الفيتو وصولا للاعتراف بيهودية الدولة العبرية و الاعتراف بسيادة الصهاينة على الجولان و نقل السفارة الأمريكية للقدس في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب.
كان نتنياهو يشعر في أعماق نفسه بلذة سرور بالغة فهالة الإنجازات التي أحاطه الإعلام العبري بها جعلته يتصور أن بقاءه في منصبه سيدوم و يدوم و يدوم لأبعد زمن ممكن دون أن يفكر حتى بلحظة الرحيل عن كرسيه و لو للحظة واحدة و لربما أدت العلاقة الوثيقة ببعض الزعماء العرب لإصابته بعدوى الرغبة في البقاء في السلطة للأبد و بأي ثمن كيف لا و هو الذي تكفل لهم باستمرار جلوسهم على كراسيهم فلماذا لا يكون جحا أولى بلحم ثوره و يبقى هو على كرسيه ما دام يثبت الآخرين على كراسيهم كصمغ عز نظيره في الالتصاق و صعوبة الخلع.
لكن العام الماضي حمل لأبو يائير من سيء الأخبار ما لم يكن بحسبانه فخاض حزب الليكود الذي يتزعمه انتخابات تشريعية أفرزت حصوله على المركز الأول في الانتخابات و بفارق ضئيل عن حزب أزرق أبيض اليساري مما أدى إلى فشله بتشكيل حكومة يمينية و بعدد أصوات حاسم فاستغل دخول جائحة كورونا لفرض واقع أشبه ما يكون بحالة الطوارئ لتشعر جماهير حزب الليكود و لأول مرة منذ زمن بعيد بأن الوضع السياسي لزعيمهم لم يعد كما كان في السابق فعام ألفين و عشرين مضى مخلفاً وراءه خسائر جسيمة لاقتصاد الكيان الصهيوني نتيجة الجائحة و الغضب الشعبي الناجم عن الإخلاف المتكرر لوعود حكومة الكيان بالإصلاحات استمر في تصاعد مطرد ليدخل عامنا الحالي و الحياة السياسية في الكيان الصهيوني على أتون لهيب صراع ساخن بين نتنياهو و منافسيه لينتهي المطاف بعد ذلك لانتخابات رابعة كانت عليه وبالا فلم يستطع مرة أُخرى تشكيل حكومة يمينية و باءت محاولاته لتشكيل ائتلاف حكومي بالفشل الذريع مما جعل أقرب حلفائه نيفتالي بينيت ينكص على عقبيه و يتجه للتحالف مع يائير لابيد في ضربة قاصمة لجهود نتنياهو للبقاء في السلطة ما جعله يطلق وابلاً من الرشقات الكلامية في خطابه الأخير له كرئيس للحكومة لم يترك فيه مفردة تتعلق بالخيانة و الاحتيال و الخداع إلا و وصم بها حكومة شريكه و حليفه الأسبق نفتالي بينيت و قد كانت علامات الغضب تقطر من خطابه المشبع بالتخوين لحكومة منافسيه و كأن تحالف لابيد بينيت هو تحالف لحزب الله و حماس و ليس لنائبين برلمانيين منتخبين وصلا للكينيست عبر صندوق الاقتراع و لا أجد لوصف ذلك أصدق من قول ربنا عز و جل "(تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ )".
أبو يائير ما لبث بعد خروجه من الحكومة الصهيونية إلا و أسرع الخطى نحو كتلته اليمينية المتطرفة ليعلن نفسه زعيماً للمعارضة داخل الكينيست و ليسعى للإطاحة بشتى السبل بالحكومة الائتلافية الجديدة متوعداً بالمواجهة بكافة أشكالها بحسب قوله و وفقاً لمراقبين للمشهد الصهيوني فهذه المرة الأولى التي تصدر تصريحات بهذه اللغة الفظة الغليظة من رئيس حكومة سابق اتجاه رئيس حكومة حالية فما الذي أصاب نتنياهو و هو الذي لطالما كان يزعم بأنه أكثر الساسة احتراماً لخصومه في دولة الكيان الصهيوني؟؟.
يا ترى هل أصيب أبو يائير بجنون العظمة متأثراً بأحد حلفائه من الزعماء العرب, أو أن طائفاً من الشيطان الانقلابي قد مسه و وجب أن يأخذ الرقية منه أم أن عدوى مرض حب السلطة رغم أنف الشرعية و الديمقراطية قد وصل إليه من أحد أصدقائه المطبعين معه, أم أن خوفه من قضبان السجن بجريرة ما ارتكب من فساد قد أصبح هاجساً يؤرقه و يقض مضجعه ,أم أن حلاوة المنصب و امتيازاته قد تركت في نفسه ما يتركه أثر ترك الحبيب للمحبوب من ولهٍ و شوقٍ و لوعة فراق؟