أعترف بأنني قمتُ هذا الصباح وصنعتُ القهوة من أجل كتابة هذا المقال فقط.. وها هو الفنجان الآن أمامي؛ وها هي السيجارة بين شفتيّ؛ وها هي الفكرة تنساب مثل امرأة شعرها سابل وطويل وتقف في وجه الهواء الناعم ( يا عيني على الرومانسية..!).
المهم؛ تقف أمام الغاز تراقب غليان القهوة؛ كأنك تراقب وطناً يغلي.. تخاف أن تفور القهوة؛ تماماً مثل خوفك أن يفور الوطن.. أنت وحدك تصنع قهوتك؛ وأنت وحدك تصنع وطنك.. زوجتك نائمة؛ أو تعمل نفسها نائمة؛ أو هي تريد أن تصدّق أنها نائمة.. الله الله؛ لأنك أنت أيضاً تصدّق تصديقها لنفسها.. فالوطن الآن ليس بحاجة إلى أي تكذيب.. رغم أن الوطن نفسه يقنعك بين الفينة والأخرى بأنه خدعة كبرى.. وأن الماشين فوقه ليسوا إلاّ أشباحاً وأنت الوحيد النائم وستستفيق بعد قليل وتجد الوطن أرضاً خالية وأنت ساكنها الوحيد؛ فتركض بكل اتجاه بحثاً عن بشر؛ أي بشرٍ كانوا.. ستبحث عن الفاسدين لترجوهم بأن يعيشوا معك.. ستترجّى المجرمين كلّهم بألّا يتركوك وحدك.. ستوافق على أن تصبح ( مَلْطَشة) للرايح والجاي؛ المهم أن يكون هناك من يروح ويجيء.. ستتمنّى أن تقف في طابور وتتمنّى ألاّ يصلك الدور..!
ها قد سرحت بعيداً.. أفقتَ على فوران قهوتك السياسية الغبيّة مثل سرحانك.. ها أنت تلحس ما تبقى منها بعد أن وضعته في فنجان.. ها هي زوجتك النائمة تفيق فجأة من نومها الكاذب وتقول لك: الله يعينّي عليك؛ مش شاطر إلاّ بالحكي وبس؛ روح يا خوي اكتب مقالتك وخليني أتمرمر بالترتيب وراك..! كأنني أتبهدل وإلّا بيتهيّألي؟..
ما أجمل فوران وطنٍ تكتب فيه مقالاً بطعم القهوة وأنت تتبهدل..!
كامل النصيرات