المثقف العربي ووجدانية التعامل مع السياسات الأمريكية
علينا أن لا نتلقف بالعواطف والوجدانيات كل ما يصدر عن البيت الأبيض لأن التجارب علمتنا أن نتعامل بحظر شديد مع الخطاب السياسي الأمريكي، ونقرأ أبجدياته بنظرة أكثر عمق.
فالتاريخ الأمريكي يعتبر إسرائيل أو يتعامل معها كإحدى ولاياته الإستراتيجية في المنطقة، التي تحافظ على مصالحه.
وهذا التصريح الذي يُحذر إسرائيل ما هو سوى دغدغة للمشاعر العربية في ظل حالة التثوير التي تعيشها شعوبنا ضد الأنظمة، وهي تدرك أن القضية الفلسطينية جوهر الصراع، ولها مكانتها لدى كل عربي وجدانياً وقومياً وتمثل القضية والهم الأساسي له.
لكن؟؟؟ هذا لا ينفي أن هناك بداية لإمكانية التأثير على الشعب الأمريكي من خلال تعرية إسرائيل أمام العالم سياسياً، وكشف تعنتها وهضمها لحقوق الشعب الفلسطيني. فهي استطاعت هزيمتنا إعلامياً منذ عقود نظراً لتعاملنا العاطفي والوجداني وعدم قدرتنا على قراءة الواقيعة السياسية التي غاب عنها الساسة المخضرمين أولاً، ووسائل الإقناع ثانياً في الخطاب العربي عامة، والفلسطيني خاصة، وهو ما استطاعت الشعوب العربية أن تتعامل معه بتحركاتها السلمية نحو الحدود، وبدء الدعوات لمسيرات مليونية نحو فلسطين، مما أثر بل وسيؤثر على الرأي العام الدولي عامة، والأمريكي خاصة كونهما يدركا أن هناك تحركات شعبية إنطلقت بشكل وجداني، وهو ما يؤكده محاولات الولايات المتحدة الأمريكية التعامل معه بوجدانيات مقابلة، من خلال مخاطبة الرأي العام العربي وفق محاكاه نفسية وجدانية تميز الشعوب العربية.
كما أن الولايات المتحدة الأمريكية تدرك وتعلم جيداً أن استحقاق سبتمبر(أيلول) قد اقترب وهناك إجماع دولي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية مما سيشكل مأزق للولايات المتحدة وإحراج أمام سقوط إدعاءاتها في العراق وافغانستان، وتصبح أكثر عري أمام شعوب العالم، والمنطقة.
ورغم ذلك علينا أن نكون أكثر حظر ووعي وواقعية في التعامل مع الخطاب الأمريكي ومحاولة استثمار ما هو إيجابي منه، وأن لا نقع فريسة هامشيتنا، وتثبتنا بالقشور كما تعاملنا مع العولمة التي جذبتنا لقشورها فقط دون محاولة الاستفادة من مضمونها والإيجابيات التي تحملها، كونها أرعبتنا بنظرة المثقف العربي لها وتهويله لمخاطرها وسلبياتها، فتسلقنا باب الأتوبيس وتركنا المقاعد لغيرنا يستريحوا عليها، وهو الداء الدائم والمتجذر بنفسية المثقف العربي الذي ينحو دوماً للتعامل بإنتقائية وهامشية تحتكم للعاطفة والوجدان، فتهوى كل عاتيات الرياح أمام قوة الزوابع التي تجرنا وتلقي بنا لهاويات الأمور.
إذن فالخطاب الأمريكي الذي وجد اهتماماً كبيراً سواء بالمتابعة أو الكتابة لم يخرج عن طور الخطاب التقليدي للولايات المتحدة الأمريكية سوى بالشكليات والتلاعب بالمرادفات، والمسميات التي تحمل بريقاً وطعماً مختلف عما سبقه، ولكن به نفس السموم الناقعة التي تفتك بالجسد والروح.
وهنا لا بد من إعداد رؤية أكثر عمقاً وشمولية تستثمر حالة التثوير والاستثوار التي تعم شعوبنا العربية، واستغلالها في تشكيل قوة ضاغطة على الولايات المتحدة من خلال تهديد مصالحها في المنطقة بمقاومة شعبية جماهيرية، وكذلك حصار إسرائيل بحزام جماهيري شعبي ضاغط ومستمر، إضافة لدعم القوى الفلسطينية في إنجاز مصالحة وطنية شاملة تعتمد على الرؤية الوطنية الصادقة والخالصة، والإرتقاء بجهود المصالحة بعيداً عن ترسيخ مفاهيم الحزبية والمحاصصة التي نلمسها في جهود القائمين على المصالحة في الوقت الحالي، ورسم خارطة موحدة وواضحة تحدد السياسات العامة في كيفية التعامل مع القضايا الرئيسية المرتبطة، والمتثملة بحالة الاستنهاض الشعبي العربي، وقضية العراق، والتحالفات التي تتضح معالمها رويداً في المنطقة.
سامي الأخرس
22 مايو 2011م
Samyakras_64@ hotmail.com