بقلم ميساء نعامة
تكثر العبارات التي تروج للإعلام بصفته الناقل الحقيقي للأحداث بكل ما تحمله من صخب يعم جميع المجتمعات في العالم، والأكيد أن عمر الإعلام يزداد شباباً مع كثرة الأحداث وصخبها والضجيج الذي يحدثه الإعلام بحسب الجهة التي يتبع لها.
المهم من بين هذه العبارات الملفتة عبارة تقول: إننا نعيش عصر الصورة بامتياز.
وهناك مقولة أخرى تقول: إننا نعيش عصر المَعلومة.
مما لاشك فيه أن عصب الإعلام يرتكز وبشكل أساسي إلى المقولتين السابقتين على اعتبار أن مصداقية نقل الأحداث يجب أن تدعم بالصورة والمعلومة، وهذا من أدبيات المهنية الإعلامية، لكن ومنذ بداية الهجمة الإعلامية التي ترافقت مع تحرك التنظيمات المسلحة داخل سورية، تخلت كبريات المنابر الإعلامية عن أدبياتها هذه.
قبل عدة أيام تلقيت ملاحظة هامة جداً من قامة سورية أكنّ لها كل الاحترام والتقدير نظراً للتاريخ المشرف ووسع الأفق الفكري لهذه الشخصية التي تشكل بالنسبة لي القدوة والمثل في زمن بتنا نفتقدهما.
الملاحظة تقول بأنني أتناول المواضيع العامة ولا أدخل في عمق القضايا وعلى الرغم من معالجتي للكثير من القضايا التفصيلية إلا أنني أخذت بالملاحظة، ووجدت بالمقالة التي كتبها إبراهيم توتنجي المادة الدسمة للمعالجة نظراً لاقتحام الأخير الشأن السوري ودخوله في تفصيلات درامية يبدو أن عمله الأساسي كناقد فني ومسؤول عن الصفحة الفنية في صحيفة البيان الإماراتية أهّلته لتخيّل درامي ينفع لكتابة سيناريو فيلم سينمائي، لكنه بالتأكيد لا ينفع لرصد الواقع ونقل الحدث كما هو وفقاً لمقتضيات المهنية الإعلامية.
بدأ توتنجي مقالته في صحيفة البيان بتاريخ 15 أيار /2011 بالتالي: "إن المرأة في سورية دخلت في جميع المجالات العملية بفضل الدعم المباشر من السيد رئيس الجمهورية بشار الأسد"، إلى هنا الكلام واقعي ولا يمكن لأحد أن يشكك في مصداقيته، لكن البناء الدرامي عند السيد توتنجي بدأ مع هذا السرد فلنتابع بدقة عملية الوصف الدرامي الذي امتاز به: كانت السيدة منى تستمع إلى الدكتور محمود الأبرش، رئيس مجلس الشعب، وتشعر بضيق. لم تكن تعرف منبع هذا الضيق. بدا الجميع، في القاعة، وغالبيتهم من النساء المشاركات في المنتدى الذي حمل اسم «البرلمانيات المسلمات»، متأهباً للتصفيق، وما إن لفظ الأبرش اسم الرئيس حتى ضجت القاعة، وفندق الشام كله، بالتصفيق.
إذاً، وبما أنني كنت من الحضور لمنتدى البرلمانيات المسلمات والذي انعقد خلال الأسابيع الأولى للأزمة السورية الممهورة بختم الأصابع الخارجية لكي تعبث بأمن البلد واستقراره، وحضور معظم الوفود المشاركة هو دلالة واضحة على عدم ثقة العالم بالإعلام المأجور العربي منه والغربي، وثقة الوفود بقوة سورية ودورها التاريخي الممانع، المهم أنني شاهدت كيف ضجت الصالة بالتصفيق فعلاً عندما ذُكر اسم الرئيس بشار الأسد، ومعظم الحضور كانوا من الوفود المشاركة بالإضافة إلى فعاليات سورية مختلفة الانتماءات. لكن الغريب فعلاً أن يردد اسم منى من أول الرواية إلى آخرها دون أن نعرف من هي ودون أن يكون للاسم أصلاً وجود بين المدعوات.
ومع ذلك لنتابع، على قولة "الْحق الكذاب..." "السيدة منى لم تصفق. هي ليست برلمانية، لكنها دُعيت إلى المنتدى من قبل جمعية نسائية حقوقية، تعمل لصالحها متطوعة منذ سنوات في الخارج، كانت التطورات تتلاحق بسرعة: إطلاق رصاص على مشيعين قرب دوما، هجوم عمال على مبنى البلدية في المعضمية، تأكيد الرئيس أن عيد النيروز الكردي سيكون عيداً وطنياً لكل السوريين".
هنا اختلط الحابل بالنابل ولم نعرف سبب علاقة السيدة منى بأحداث المعضمية، أو علاقتهما بعيد النيروز المهم سنتابع الكذاب....
"انتبهتْ أنها شردت بعيداً عن خطبة الأبرش، وحين عادت كان يستعرض تاريخاً مجيداً لتقدير المرأة في سورية، متحدثاً عن حق الانتخاب الذي مُنح لها عام 1949، وتمثيلها للمرة الأولى في مجلس الأمة في عهد الوحدة بنائبتين عام 1960.
«أما الآن، فهناك سيدة تشغل موقع نائب رئيس الجمهورية للشؤون الثقافية، ونسبة النساء في مجلس الشعب تبلغ 12 في المئة، ونسبتهن في مجالس الإدارة المحلية 1 إلى 3 في المئة، وفي الوزارة 7 في المائة، وفي السلك الدبلوماسي 11 في المئة وفي القضاء 13.38 في المئة..».
مهلاً، أنا لم أتهم الكاتب بالكذب فقط بل بالافتراء والفبركة وتضليل الرأي العام العربي، لأنه في كلام الدكتور محمود الأبرش لايوجد أي لبس فقد تحدث بالحقيقة كاملة وبالأرقام، والوقائع والشواهد موجودة على أرض الواقع السوري ولا يستطيع أحد أن يشكك بصدقها.
لكن الكذب الفاضح يبدأ مع المقطع الأخير من مقالة الكاتب إياه عندما قال: "لم تتمالك نفسها: «كلام شعارات»، قالت، وخرجت تدخّن. كان ذلك في صباح الخامس من ابريل من العام 2011. لم تكن السيدة منى تعرف أن أجلها سيأتيها قريباً. بعد شهر وعشرة أيام خرجت في تظاهرة نسائية تضامناً مع الأمهات المعتقلات. أُطلق عليها الرصاص. سقطت مضرجة بالدماء. باتت جزءاً من «تاريخ المرأة السورية».. باتت لقطة دموية على «يوتيوب».. للأبد!".
غريب أمر الكاتب الذي أسقط علينا هذه السيدة التي تدعى منى وأنزلها إلى المنتدى ضمن براشوت فكره الحاقد اللئيم، فما يقول عنه كلام شعارات هو واقع فعلي موجود على الأرض السورية، ولايحتاج الأمر من الباحث إلا عملية بحث على موقع غوغل الشهير ليتوصل إلى النتائج التي سردها الدكتور الأبرش، فقد تميزت سورية على معظم الدول العربية في ترقية المرأة ووصولها إلى مواقع القرار، لكن عندما طالبتُ الكاتب بالكشف عن هوية السيدة المتخيلة منى أجاب بمقالة خاصة حملت عنوان من هي منى بتاريخ / 16 / أيار /2011 جاء فيها: أردت أن تكون «السيدة منى» رمزاً تدلل قصتها على التناقض الكبير الواقع بين الخطاب الرسمي وبين أرض الواقع، ها هي على الأرض، في لقطات فيديو مصورة، تُقتل وتسيل دماؤها، لأنها خرجت إلى الشارع في تظاهرة سلمية تسأل فيها عمّن اعتقل من أبنائها أو إخوانها أو، ربما، زوجها".
غريب أمر الكاتب من هو لينصّب نفسه الحارس الأمين على نساء سورية وكيف له أن يتخيل ويقول بأنها حضرت المنتدى، وانسحبت ولم تصفق، بل ويصف حالتها وهي تدخن غيظاً وكظماً، بل كيف يقرر أن ما عرضه مقطعاً من اليوتوب المفبرك الذي أظهر بقعة دم وجزءاً من طقم أسنان وامرأة تغطي سيدة على الأرض، هذه المشاهد اعتدنا رؤيتها على شاشة الجزيرة، وشاهدنا أيضاً بأم العين كيف يموت الشخص وكيف يصحو وسبحان الله الذي يحيي العظام وهي رميم، لكن اللعب على الصورة أصبح تقنية مستهلكة ومكشوفة واللعب على تزوير المعلومة أيضاً أصبح مكشوفاً، لكن أن يتخيل الصحفي صاحب المقال سيدة ويضع لها اسما ثم يقول :"وربما يكون اسمها سهام، أو ليلى، أو فاطمة، أو جويل.. فما يهم". بجميع الأحوال إذا كانت السيدة ماتت فلماذا يقرر الصحفي أنها ماتت برصاص الجيش، وليس برصاص العصابات المسلحة التي تأخذ إمداداتها من الأسلحة من أسياد توتنجي، لأن سورية حظيت بالأمن والأمان الذي يجعل أي سيدة تسير في شوارع المحافظات السورية كافة دون أن يتعرض لها أحد، أم ترى مسّ من الجنون أصاب الجيش السوري الذي نال شرف الانتصار التشريني، أن يقتل المواطنين السوريين؟.
إن الجنوح الفكري الذي قصده توتنجي للإساءة لسورية وللنساء السوريات يجب أن لا يمرّ مرور الكرام بل يجب أن يعاقب على هذه المقالة الشاهد الواضح على الكذب والتلفيق والافتراء، ورفع دعوى قضائية ضدّه وضدّ كل الوسائل الإعلامية التي أساءت لسورية برسم وزيري العدل والإعلام.
ميساء نعامة