زاد الاردن الاخباري -
كثيرا ما يتردد على مسامع الأردنيين في الوقت الحالي مصطلح "جر مياه الديسي" وهو المشروع الذي طال انتظار تنفيذه لدفع مياه الصحراء الأردنية اتجاه قلب العاصمة في أكثر بلدان العالم فقرا للماء.
وبينما يعد هذا المشروع من أكثر المشاريع أهمية بالنسبة للمملكة إلا أن تنفيذه على أرض الواقع مر بعراقيل عديدة أفضت في نهاية المطاف لغلق الطريق أمام من ينتظرونه لأكثر من 14 عاما.
ولم تكن معيقات المشروع تقتصر على نوع محدد، إذ كانت فكرة التنفيذ تتوقف بسبب ارتفاع كلف جر المياه تارة وعدم قدرة الاقتصاد الأردني على احتمال كلف تمويل أو اقتراض مثل هذا المشروع تارة أخرى.
ولم يسلم المشروع من سطوة الفساد حيث ما يزال التحقيق قائما حتى اليوم للكشف عن ملابسات القضية.
لكن الفساد يهون أمام حياة المواطن الأردني، حيث تحوم الشكوك حول نسب الإشعاعات في تلك المياه هناك عند الحدود السعودية وهو الأمر الذي تؤكد الجهات الأردنية المتخصصة أنه طبيعي ولا يمكن أن يشكل خطراً على الصحة.
ويروي وزير المياه الأسبق حازم الناصر لـ"الغد" تفاصيل مشروع جر مياه الديسي "وهو واحدا ممن عاشوا تفاصيل المشروع منذ بدايته".
ويقول الناصر "إن فكرة جر مياه الديسي ظهرت في العام 1991 من دون وجود دراسات أو معلومات مسبقة عن حجم المياه أو الكلفة العامة لمثل هذا المشروع، وكان أشبه بالمهمة المستحيلة نظرا لبعد حوض الديسي عن العاصمة وتضارب الأنباء حول الكلف العالية لتشغيل المشروع".
وبدأت الدراسة الجدية للمشروع في وقت لاحق من العام 1991 على أن يتم تمويله من قبل هيئة المساعدات البريطانية وكان عنوان الدراسة "كيفية استغلال المياه الجوفية إن وجدت".
وبعد مضي 4 سنوات على الدراسة يبين الناصر الذي كان مدير مشاريع المياه في تلك الفترة "أن النتائج كانت تشير إلى توفر مساحة كبيرة تحوي خزانات جوفية – صخور لها مسامات تخزن المياه - وتم عمل نموذج ثلاثي الأبعاد لسيناريوهات ضخ 80 مليون متر مكعب سنويا أو ضخ 150 مليون متر مكعب سنويا أو 400 مليون متر مكعب سنويا علما بان السيناريوهات الثلاثة أثبتت جدواها.
وفي العام 1995 رسا العطاء على تجمع هندسي كبير يضم كل من شركة "هارزا" الأميركية وشركة دار الهندسة الأردنية من أجل القيام لدراسة الجدوى الاقتصادية والفنية، بحسب الناصر.
وكانت نتيجة الدراسة الصادرة العام 1996 تؤكد الجدوى الاقتصادية للقيام بمثل هذا المشروع وإمكانية جر ما حجمه 120 مليون متر مكعب من خلال حفر 80 بئرا في منطقة الديسي ومحطة "ضخ ورفع" في منطقة بطن الغول ومن ثم الى محطة المنتزه القومي الذي يتفرع الى خطين أحدهما ينفذ إلى خزان دابوق والآخر إلى خزان أبو علندا.
وفي أواخر العام 1996، قال الناصر "إنه بدأ العمل على دراسة تصاميم ووثائق العطاء والتفاصيل الفنية الدقيقة وتم تحويل المشروع للتنفيذ في العام 1997 بكلفة مقدارها 447 مليون دينار إلا أن المشروع أوقف في العام 1998 بسبب خضوع الأردن تحت برنامج التصحيح الاقتصادي مع البنك الدولي وعدم قدرته على الاقتراض".
وفي العام 1999 تم توقيع أول وثيقة (بناء، تشغيل ونقل ملكية) أو ما يعرف اصطلاحا بـ (B.O.T) وأسفرت عن دخول عدد من الشركات الراغبة بالاستثمار كعدد من الشركات الإيرانية والتي لم تصل الى اتفاق نهائي بالإضافة الى شركة "براون روت" الليبية التي تتمتع بخبرة عالية في مجال حفر الآبار وتمديد أنابيب الضخ والتي أضافت تعديلا على التصاميم الأصلية المتعلقة بعمق وقطر الآبار والتي كلفت الحكومة أثمان الأتعاب الاستشارية فقط.
وأشار الناصر الى ان مجلس الوزراء قرر في العام 2001 بالسير بمشروع (B.O.T) إلا ان ارتفاع كلفة المتر المكعب من المياه ووصوله الى 75 قرشا للمتر بالإضافة إلى كون استثمار القطاع الخاص يتطلب تحقيق أرباح وعوائد من هذا الاستثمار بشكل سينعكس على فاتورة المياه على المواطن.
وعلى إثر هذه التقارير كان لابد من طرح العطاء على المستوى الإقليمي حيث تقدم عدد من الشركات بتقديم عروض كان أقلها عرض الشركة السعودية "سعودي أوجيه" حيث إن السعر المقدم كان 89 قرشا للمتر المكعب الواحد.
لكن وما لم يكن بالحسبان، بدأت حرب العراق في العام 2003 حيث تزامنت مع فترة تفاوض الحكومة الأردنية مع هذه الشركة وبسبب ارتفاع معدل المخاطر على رأس المال لم تتمكن الحكومة من تخفيض الكلفة للمتر المكعب إلا لمستوى 87 قرشا.
وقام الناصر في العام 2004 بصفته وزيرا للمياه والري برفع كتاب لمجلس الوزراء يؤكد أهمية إعادة النظر بموضوع الكلف العالية التي سينجم عنها إحالة العطاء من خلال (B.O.T) بواقع 87 قرشا للمتر المكعب الواحد يضاف عليها 20 قرشا كلفة التوزيع داخل العاصمة وإضافة ما نسبته 25 % كبدل فاقد للمياه يتم تحصيلها من فواتير المياه ليصبح المجموع الكلي لقيمة المتر المكعب من المياه واصل الى المستهلك 120-130 قرشا وبعد اقتطاع 40 قرشا ما يتم دفعه من قبل المواطنين من خلال فواتير المياه يبقى 90 قرشا يتوجب على الحكومة دعمها أي ما يعادل 80-90 مليون دينار سنويا.
وبناء على ذلك طلب مجلس الوزراء في شهر تشرين الأول(أكتوبر) 2004 تنفيذ المشروع بالطريقة التقليدية وإلغاء فكرة (B.O.T) وتحويل دعم هذا المشروع من خلال قروض وسندات داخلية بالإضافة الى المنح والمساعدات الخارجية الميسرة، حيث شكلت لجنة تضم وزير المياه والمالية والتخطيط في تلك الفترة مهمتهم إيجاد التمويل اللازم وخفض الكلفة حسب التوقعات الى 55 قرشا للمتر المكعب الواحد تتحمل الحكومة 15 قرشا من الكلفة الكلية والذي يعتبر أمرا مجديا.
وفي شهر كانون الأول (ديسمبر) من العام 2004 ظهرت فكرة قيام صندوق المشاريع التنموية التابع للقوات المسلحة الأردنية بتنفيذ المشروع، إلا أن الأرقام المالية والتفاصيل الفنية المقدمة من الصندوق لم تكن دقيقة على حد تعبير الناصر الذي عارض الفكرة لعدة أسباب، أهمها تضارب المصالح في حال فشل أو إفلاس المشروع نتيجة الأعمال الإنشائية حيث لا يمكن لوزارة المياه والري أو أي جهة حكومية مقاضاة المؤسسة العسكرية.
وبقيت القضية عالقة، يتم طرحها تارة وإغلاق الملف تارة أخرى الى حين تم إرساء العطاء الى شركة جاما التركية في العام 2008 والنصر الكبير الذي حصدته حكومة نادر الذهبي، ومع مرور الوقت تكشفت العديد من قضايا الفساد منها ما تم البت فيه ومنها ما يزال يتم التحقيق به.
وأشار الناصر إلى أن الأنابيب التي يستخدمها المشروع على مدى 325 كيلومترا تعمر لحد أقصى بين 40-50 عاما مع العلم بأن المرحلة الأولى من المشروع سيمتد إلى 100 عام، وبعد ذلك سيتم استرجاع المشروع تحت سلطة الحكومة، مما يعني أن الحكومة ستتكفل بتكاليف الصيانة واستبدال الأنابيب التي تقدر بملايين الدنانير.
وعلق أحد المهندسين العاملين في المشروع فضل عدم ذكر اسمه أن العزل الداخلي والخارجي للأنابيب مكفول لمدة 50 عاما والطريقة الوحيدة لصيانة الأنابيب بعد ذلك تتم من خلال حفر خط الأنابيب على مدى 325 كيلومترا وإجراء الإصلاحات واستبدال الأنابيب وتجديد العزل الخاص بها.
وقال رئيس قسم الفحوصات الميكانيكية في الجمعية العلمية الملكية أحمد الطراونة إن المدة الزمنية التي يمكن الحكم من خلالها على عمر الأنبوب تكمن في الأمور الفنية من خلال عملية التغليف الداخلي والخارجي وعمليات "التلحيم" بين الأنابيب وتطابقها مع المواصفات والمقاييس العالمية بالإضافة الى العمليات التشغيلية من خلال تحديد كميات الضغط اللازم بما يتناسب وقدرة احتمال الأنبوب، كل تلك الأمور تتحكم بعمر الأنابيب ومطابقة المواصفات والمقاييس العالمية ستؤدي الى زيادة العمر التشغيلي لها.
وأشار حازم الناصر الى وجود خروقات قانونية تتعلق بـ 5 مزارع تستهلك 60 مليون متر مكعب من مياه الديسي من دون دفع الرسوم والضرائب المترتبة على هذا الاستهلاك، حيث اتخذت محكمة التمييز قرارا بدفع الغرامات المترتبة على هذه المزارع وتخفيض كميات الاستهلاك الى ان القرار تم التغاضي عنه في حكومات سابقة وما تزال المزارع تستهلك من حق المواطن الأردني ومقدرات الدولة لحساب فئة لا تتعدى عدد أصابع اليد الواحدة.
وجاءت دراسة أميركية سابقة نشرت العام 2004 وأصدرتها جامعة "ديوك" الأميركية وجامعة "بن غوريون" في إسرائيل وجامعة القدس وجامعة البلقاء التطبيقية بمجموعة من الخبراء والمختصين بينهم رئيس جامعة البلقاء التطبيقية عمر الريماوي والدكتور عبدالله الزعبي المتخصص في الهندسة الجيوفيزيائية والدكتور عماد عكاوي تحدثت عن وجود نسب إشعاع يورانيوم تتجاوز 20 مرة المستوى في أحواض المياه الجوفية العميقة في منطقة الشرق الأوسط خصوصا حوض الديسي الذي تم أخذ 37 عينة من مياهه لأغراض الدراسة.
وكشفت الدراسة الأميركية أن المياه الجوفية في الأردن تحتوي على مستويات عالية من جزيئات مُشعة تتكون في الطبيعة وترتبط بالإصابة ببعض أنواع السرطان، وأن عدة دراسات أظهرت أنها ترتبط بمستويات مرتفعة من سرطان العظام، بل وأظهرت دراسات أخرى ان لها بعض الارتباط بسرطان الدم. الأمر الذي يمثل خطرا على صحة ملايين الأشخاص الذين يشربون هذا الماء في الأردن.
وجاء رد نقابة الجيولوجيين الأردنيين ان الإشعاعات الموجودة في مياه حوض الديسي يتم التخلص منها فورا بعد تعرضها للهواء مباشرة.
وقال نقيب الجيولوجيين بهجت العدوان في بيان صحافي سابق "إننا لا ننكر ما جاء في أحد التقارير عن وجود إشعاعات في تلك المياه، ولكن سرعان ما يتم التخلص من هذه الإشعاعات تلقائياً عند وصول المياه إلى السطح وتعرضها إلى الهواء، حيث تتفاعل مع الهواء وتنطلق على شكل غازات".
وكان الرد الرسمي لوزارة المياه والري على لسان الناطق الإعلامي عدنان الزعبي بالتحفظ عن إعطاء أي معلومات تتعلق بمواضيع عمر الأنابيب والكلف المترتبة على الصيانة بالإضافة الى موضوع المياه التي تستهلكها المزارع في منطقة الديسي، رغم المحاولات المتعددة "للغد" بالحصول على رد رسمي من الوزارة.
الغد