الدكتور: رشيد عبّاس - بعد أن ترتفع خيوط شمس الصباح الذهبية مسافة ذراع عن الأفق في وطننا الغالي, تنهالُ علينا يومياً العديد من البرامج الصباحية والتي ينصب الإعلام فيها على شكاوى المواطنين المسلّية حتى الاشمئزاز, فمنهم من يشكو ضيقاً في الزمان, ومنهم من يشكو ضيقاً في المكان, حتى بات الإعلام الصباحي لدينا إعلام جلد للذات فقط, ويتصدى لذلك إخوان لنا في الإعلام نحترمهم ونقدّر جهودهم, ليبقى المسؤولين المعنيين عن تقديم تلك الخدمات في مكاتبهم على (فُرش ممهدة), وليس بوسعنا هنا إلا أن نقول: رحم الله إعلامنا الماضي والذي كان يبدأ ببرامج صباحية عملاقة, تبدأ بكلمات وعبارات شيّقة وجميلة وهادفة تدعو إلى التفاؤل لتسير جنباً إلى جنب مع العمال البسطاء والموظفين المتواضعين عند بدء السعي في مناكبها.
المتتبع لبرامج شكاوى المواطنين الصباحية المسلّية حتى الاشمئزاز, يجد أنها عبثية, ويُفترض أن تكون بين المواطن وبين المسؤول المعني مباشرة دون مرورها بالإعلام وعبر القنوات الإذاعية وضمن برامج وكوادر مصروف عليها الكثير الكثير, والاسئلة المتزاحمة هنا, لماذا لا يتم طلب هذه الحقوق من المسؤولين (حفظهم الله) مباشرة, ولماذا يتم طلبها من لإعلاميين المحترمين في بعض القنوات ليمرروها من خلالهم عبر الفضاء المنحوس للمسؤولين, ومع تقديري واحترامي الشديدين لجميع هؤلاء الإعلاميين, فالمفروض أن يتوجه المواطنين مباشرة إلى المسؤولين المعنيين وطرح حاجتهم وشكواهم ومظلمهم إلى المسؤولين المعنيين, فإن كان لهم الحق في ذلك يجب أن يأخذوه من المسؤول في نفس اللحظة دون وسيط أو وساطة الإعلام, وإذا كان المسؤولين المعنيين ليس لديهم مثل هذه الثقافة, ثقافة الاستماع الجيد وإعطاء الحقوق الكاملة لأصحابها فبيوتهم أولى بديوانياتهم.
اعتقد جازما أن برامج شكاوى المواطنين الصباحية المسلّية حتى الاشمئزاز فيها مضيعة للوقت وفيها من الهدر الكثير الكثير, وينبغي توقفها على الفور, ففيها من عمالقة الإعلام الإذاعيين ما فيها, وفيها من الكوادر والمهندسين والمخرجين و.. ما فيها, ويمكن هنا فتح لجميع هؤلاء برامج إذاعية هادفة في هذه القنوات تلبي وتخدم مصالح الدولة ومؤسساتها وفيها فائدة وجدوى أكثر بكثير من برامج شكاوى الموطنين المسلّية حتى الاشمئزاز والتي تصوّر للعالم عبر الاثير أن الدولة مقصّرة وأن المسؤولين المعنيين غائبين عن المشهد, وأن الحل والربط بيد هؤلاء القائمين على الإعلام فقط ..هذه تسلية إعلامية صباحية تدعو للاشمئزاز لا أكثر ولا اقل, فهي لا تقدم للدولة المعاصرة أي مضمون هادف, أو أية فائدة تذكر.
في الدول المتقدمة لا يوجد مثل هذه التسلية الإعلامية الصباحية, ولا يوجد لديهم قنوات تبث برامج فيها شكاوى المواطنين ومظلمهم, فالحقوق لديهم مصانة دون إعلام, ولا يضيّع فيها عمالقة الإعلام الإذاعيين المشهود لهم بالعمل الوقت, ولا يضيّع فيها كوادر من المهندسين والمخرجين الجيدين جهدهم, في الدول المتقدمة يوجد لديهم مؤسسات فيها مسؤولين معنيين, أبواب مكاتبهم مفتوحة على مصراعيها, وخالية من الشمًّاعات والعلًّاقات لتعليق ملابس ضيوف ديوانياتهم عليها وكأنه (شِق خريوِش) كما يقال, وشِق خريوِش هو مثل عربي يطلق عادة على زبون المضافة الشعبية والمشهورة في الريف أو البادية, والزبون الأساسيين هم ضيوف خريوش، وخريوش المعزّب هو مجرد رجل لا يمون على شيء هو مضياف بالإكراه والغصب..فما أن تلبث الشمس بالمغيب حتى تبدأ السهّيرة بالتوافد إلى شِق هذا الخريوِش.
صدقوني أن برامج شكاوى المواطنين الصباحية المسلّية حتى الاشمئزاز والتي يجب أن تتوقف هي واحدة من الأسباب التي ساعدت وشجّعت بعض المسؤولين في مؤسساتنا ودوائرنا الحكومية والخاصة احياناً على فتح شِق خريوِش من جميع الجهات, كيف لا وقد روي عن احد المسؤولين الكبار يوماً أنه قال لاحد الإعلاميين بعد أن اتصل معه الإعلامي حول مشكلة مواطن معين, قال له: أنت حل له المشكلة, انا ما عندي حلول, وعاد المسؤول إلى ضيوف مكتبه, غفواً عاد إلى شِقه.
مطلوب من صاحب الحق وهو المواطن الذهاب مباشرة للمسؤول دون وساطة أو واسطة الإعلام وطرح مطلبه, كيف لا والإعلام في الدول التي أنعم الله عليها له دور مختلف تماماً عن إعلامنا, وليسامحني الإعلاميين عندنا والذي أحترمهم جميعاً, فهم أعلى مرتبة من الحديث عن ماسورة ماء تنزف كل ثلاث ساعات قطرة ماء, وأعلى مرتبة من الحديث عن بسطة موز صومالي تتأرجح على رصيف احد الشوارع, وأعلى مرتبة من الحديث عن أمرأه فقدت كيس باميا في باص المؤسسة رقم(...).
وبعد, الإعلام معني بما صدحت به فيروز: (سألتك حبيبي لوين رايحين.. ليش بنتلفّت خايفين), وبالذات مع قهوة الصباح المرة..