استمعت من يومين خلال برنامج الظهيرة للتفلزيون الاردني مع عساف الشوبكي الى مسؤول كبير في دائرة الارصاد الجوية خلال تغطية المنخفض الثلجي الذي طال الاردن والمنطقة ، تمنيت كثيرا لو كانت فعلا النشرة متخصصة للحديث عن الارصاد الجوية ، استفيد ويستفيد منها المشاهد الذي ينتظر شيئا كهذا ، المسؤول الذي ظهر منفعلا خيل الي ان العرق يتصبب منه في جو ثلجي كنت اظنه يبعث الود بيننا ،كان يصب غضبه على من اسماهم ( مضللين !) يحاولون سحب البساط من تحت دائرة الارصاد ، يتحدثون من غير علم او هكذا قال..!
***
لا اعرف هل كانت الدبلوماسية الرسمية او الكياسة التي جعلت الرجل يطل من التلفزيون الرسمي وهو يخاطب الاردنيين لا عن حالة الطقس التي ننشدها بل عن صراع قائم مع القطاع التنبؤي الخاص بالارصاد الجوية ، وهو غالبا يشير الى اصحاب موقع طقس الاردن الذي تعتمد عليه فضائية اردنية خاصة ومواقع الكترونية عالية المهنية وهذا واضح للمشاهدين ، وليس من نافلة القول الحديث في ذلك ، المهم ان هذه الحساسية الكبيرة التي رافقت هذا الموضوع غريبة جدا ، وتنحى منحا غير مهني بالمطلق ، فالاردن فيه قطاعات واسعة عامة على ذات الجانب ثمة قطاعات خاصة مرافقة ومساندة من دون ان ترافقها هذا الحساسية ، فوكالة الانباء الاردنية الرائدة والممثلة الاعلامية للدولة ترافقها عشرات الصحف والمواقع والاذاعات والفضائيات ، دون ان تدفع مثلا مدير وكالة بتراء ان يشن هجومه على الاعلام الخاص وبأنه يضلل الاردنيين وهو ليس كذلك بالطبع ، ولا يستدعي مثلا وزير التربية والتعليم او مدراء التعليم ان يشنوا هجوما ضاربا على المدارس الخاصة او ان يفعلها وزير الصحة تجاه المستشفيات الخاصة او ان يفعلها مدير الدفاع المدني لان ثمة مؤسسات رديفة تساعد في ظروف الطوارئ ، وهو ايضا لن يفعلها ولا يمكن ان يفعلها، في مجتمع فيه ثنائية تقليدية بين الخاص والعام ، ولا يضير دائرة الارصاد الجوية ان يكون هناك مائة مؤسسة راصدة للاحوال الجوية تستفيد منها او تتعاقد معها مؤسسات اعلامية وسياحية وزراعية وشركات طيران وشركات تصنيع و مواعيد عمل وانتاج وامور اخرى ، وتكون وسيلة اضافية لخدمة البلد كما هو حاصل في عدد غير محدود من هذه المؤسسات العاملة بالارصاد الجوية في العالم كله ولا تخضع لاي ادارات حكومية بالمطلق..!
لا احد اليوم يشكك بدور دائرة الارصاد الجوية الاردنية بالمطلق وهي مؤسسة وطنية ، اعتمدنا عليها في ظروف كثيرة ومهمة من عمر البلد ، وظهور قطاع خاص بنفس عملها لا يقلل من شأنها في شيئ ، الذي يقلل من شأنها هو ان تخضوض معارك غير مهنية مع مؤسسات رديفة بذات التخصص ، وكان يجب عليها ان تقدم ما تستطيعه وان تترك القطاع الخاص ايضا ان يقدم ما يستطيعه والحسم في المهنية اخر الامر..!
***
يعاودني الحنين وانا اشاهد هذا التداعي بالارصاد الجوية الى فترة الثمانينات والتسعينات ، بوجه المرحوم الدكتور علي عبنده المخضرم في هذه الدائرة ، عندما كان يطل ببذلته المخططة التقليدية التي تنم عن رجل محافظ يحمل شهادة دكتوراة في تخصص نادر يومها ، تنم عن رجل مجتهد رسم طريق نفسه بمحافظة ليست بغريبة عن ابناء ذلك الجيل ، كان على عبنده اذ يطل بابتسامته التقليدية كذلك ، معنى ذلك اننا امام منخفض قادم ، قطبي او غير قطبي ، كان الراحل عبنده اذ تخمد الاحوال الجوية وتعود لوضعها التقليدي في مناخ شرق متوسطي كما الاردن يعهد الى احد موظفي الدائرة بتقديم نشرة الاخبار الجوية ، واذا كانت الظروف طارئة بمنخفض يطل بوجهه مباشرة عبر شاشة التلفزيون الاردني ، لم يكن يتحدث كثيرا في قضايا مرتبطة ، كان يدخل مباشرة في الحالة الجوية ، كان يبتسم ثم يقول بعد ان تعرض الخريطة الجوية من خلفه : تحرك المنخفض الجوي من قبرص..او يتوقع ان المنخفض يتمركز في البحر المتوسط غرب سوريا ،،صحيح ان نسبة الخطاء كانت اكبر من اليوم وذلك بفعل تطور علم تنبؤات الارصاد خلال العشر سنوات الاخيرة، كان المرحوم عبنده الذي عمل نحو اربعين سنة في هذه الدائرة ، يطل علينا فقط ليحدثنا عن التنبؤات الجوية ، لا عن معارك خاصة كما حصل هذا الاسبوع ولا عن المشاعر الخاصة التي يتحدث بها بعض الشبان الجدد من دائرة الارصاد الجوية الذين يطلون علينا عبر التلفزيون الرسمي صباح كل جمعة ، يتحدثون عن مشاعرهم ، ذكرياتهم ، شجونهم ، واحيانا غزلهم في الاجواء وينهي نشرة احوال الطقس دون ان نعلم شيئا عن حالة الطقس..
لعلها فرصة و هذا المنخفض الذي زارنا واتحفنا الكتاب بالجميل عنه ، ان تكون نقطة لاعادة الحسابات لدائرة الارصاد الجوية ، ودورها وان تعيد النظر بصورة ايجابية بطريقة تعاملها مع قطاع ناشئ ، لا يمكن ان يكون الا قطاعا مساندا خارج اي حسابات اخرى شاهتها وشاهدها الاردنيون ، واعتقد انها لم تكن بالمهنية مطلقا ، ولسنا بحاجة الى صراعات اليوم في قطاع رصد الاحوال الجوية(!!!) ، فلدينا الكثير الكثير مما يمكننا ان نتصارع من اجله..!